من قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ ........... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 04 - 2008, 09:20 ص]ـ
من قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ):
الاستفهام "أفغير": إنكاري توبيخي، لأن ما بعده حاصل فقد اتخذوا دينا غير دين الله، عز وجل، فوبخهم الباري، جل وعلا، منكرا عليهم ذلك.
والهمزة تنفرد عن باقي أدوات الاستفهام بأمور، لأنها أم الباب، ولأم الباب من الخصائص ما ليس لبقية أفراده، فمن ذلك:
أن لها الصدارة مطلقا، فإن عطفت على ما قبلها، تقدمت على العاطف، بخلاف بقية أدوات الاستفهام، كـ: "أين" في نحو قوله تعالى: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)، فتقدمت الفاء التي تفيد العطف والتعقيب على أداة الاستفهام: "أين" بخلاف: "أفغير": إذ تصدرت الهمزة الكلام وجاءت بعدها الفاء العاطفة.
وقد قدر الزمخشري، غفر الله له، جملة بعد همزة الاستفهام، عُطفت عليها الجملة بعد الفاء، فيكون العطف: عطف جملة على جملة، طردا للباب، وإلى ذلك أشار ابن هشام، رحمه الله، بقوله:
"دخلت همزة الإنكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، (وهو رأي الجمهور الذين قالوا بأن تقدم بعض المعطوف وهو: همزة الاستفهام على العاطف أسهل من تقدير جملة بعد همزة الاستفهام تعطف الفاء جملة: "غير دين الله ............. " عليها، لأن الأصل عدم تقدير محذوف ما أمكن، وتقديم بعض المعطوف مما جاء في كلام العرب في نحو:
ألا يا نخلةً منْ ذاتِ عرقٍ ******* عليكِ ورحمةُ اللهِ السّلامُ
فتقدم المعطوف: رحمة على المعطوف عليه: السلام، وهو يختلف عن تقدير الزمخشري من جهة أن الجملتين في هذا التقدير مذكورتان، غاية ما هناك أن بعض الثانية المعطوفة، (وهو: الهمزة)، قد تقدم على العاطف، لأن له تمام الصدارة كما تقدم، بينما في تقدير الزمخشري: الجملة المعطوف عليها: محذوفة، مقدرة بعد همزة الاستفهام، ومن ثم عطف عليها الجملة المذكورة بالفاء).
ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون، فغير دين الله يبغون، (وهذا تقدير الزمخشري، فالجملة المقدرة بعد همزة الاستفهام هي: يتولون) ".
بتصرف كبير من "مغني اللبيب"، (1/ 38، 39).
فعدم التقدير هو: الأصل، وتقدير جملة معطوفة، وإن كان خلاف الأصل، إلا أنه يفيد زيادة في المعنى، فالجملة المحذوفة تؤكد معنى الإنكار بعدها، فآلت الصورة إلى: إنكار بعد إنكار، فتقدير الكلام: كيف سولت لهم أنفسهم هذا الأمر فتولوا فغير دين الله يبغون.
*****
وتقديم المعمول: "غير دين الله" على عامله: "يبغون" يفيد: الحصر والقصر، فهو محل الإنكار، فالإنكار ليس منصبا على الابتغاء، فإن العبد مبتغ لا محالة، فمن لم يتأله للمعبود الحق، جل وعلا، تأله لسواه من المعبودات، وإنما الإنكار منصب على المعمول المقدم: ابتغاء غير دين الله.
وقد أضاف الباري، عز وجل، الدين لنفسه، فلم يقل: أفغير الإسلام يبغون، تنويها بذكره، لأن في إضافته للباري، عز وجل، مزيد تعظيم في النفوس، وإن كان الإسلام معظما كيفما ذكر.
*****
قوله تعالى: (وله أسلم):
فيه: تقديم ما حقه التأخير، وهو يفيد الحصر والقصر كما تقدم.
والفعل: "أسلم" يأتي:
متعديا بمعنى: "أخلص"، ومنه قوله تعالى: (بلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ)، أي: بلى من أخلص وجهه.
ولازما بمعنى: "استسلم"، فيتعدى باللام، ومنه قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
والسياق هنا يحتمل كلا المعنيين، فالفعل مطلق، لم يقيد بمفعول، كأن يقال على سبيل المثال: وله أسلم من في السماوات والأرض وجوهَهم، ليقال بأن الإخلاص هو المعنى المقصود، ولم يتعد بواسطة، ليقال بأن الاستسلام هو المعنى المقصود.
فأفاد هذا الإطلاق عموم إسلام كل الكائنات فإن:
الإسلام المتعدي هو: الإسلام الخاص الذي يعني الانقياد لأمر الله، عز وجل، الشرعي.
¥