تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فأفناه قيلُ الله للشمس": يعني معناه: أنهيؤمن بأن الله هو الفاعل الحقيقي للأشياء، وأنه رجل مسلم، عند ذلك نقول: أنه لايعتقد أنّ فاعل "ميّز" هو "جذْب الليالي"، ولكن أتى به عن طريق المجاز، بدليل أنهأسند فعْل الإفناء للشعر بعد ذلك إلى قول الله للشمس: "اطلعي! "، يعني: إلى أمر اللهللشمس. فهذه قرينة لفظية جاءت في الكلام بيّنتْ لي أن إسناد "ميّز" إلى جذب اللياليإنما هو مجاز عقلي وليس حقيقة عقلية.

ومثل هذه القرينة اللفظية جاء في قول السلطانالعبدي قُثَم بن خبية:

أَشَابَ الصغيرَ وأَفَنىالكبيرَ

كَرُّ الغداة ومَرُّالعشيّ

الغداة: هي أوّل النهار، وكرّها بمعنى: رجوعالغداة بعد ذهابها، والعشي هو: أول الليل.

فأسند فعْل الإشابة إلى رجوع الغداة، وإلى مرورأوائل الليل. لكن إذا نظرنا إلى الظاهر، نقول هذا إسناد حقيقيّ نظراً لأنه فيمايبدو لنا في الظاهر: أنّ الشاعر يؤمن بأن الذي أحدث الشيب في رأس الصغير وأماتالكبير هو: "كرّ الغداة ومرّ العشيّ".

لكننا عندما نتابع هذه القصيدة التي فيها هذاالبيت، نجد فيها ما يدلّ على أنه لم يُرِد بإسناد الإشابة والإفناء إلى كرّ الغداةومرّ العشي، الظاهر بدليل أنه قال: "فمِلّتنا أننا مسلمون على دين صِدِّيقِناوالنبي". فهذا دليل على أنه مؤمن موحد، وعلى طريقة أهل السنة والجماعة. وهذا دليللفظي، أو قرينة لفظية، على أن الإسناد في "أشاب" و"أفنى" إنما هو إسناد مجازي.

قلنا: إن القرينة، أو العلامة التي تدلّنا علىالمجاز قد تكون غير لفظية، و قد عبروا عنها أحياناً بقرينة معنوية أو قرينة حالية، وهذا النوع من القرينة الغير لفظية، أو الحالية، أو المعنوية، تأتي تحتها ثلاثصوَر، منها:

استحالة صدور المسنَد من المسنَد إليه، المذكورفي الكلام أو قيامه به، لأن الفاعل هو مَنْ أحدث الفعل وصدر عنه الفعل، أو من اتصفبالفعل. فإذا كان هذا الفعل وما في معنى الفعل يستحيل صدوره من جهة العقل بهذاالفاعل، فإن هذه قرينة حالية أو غير لفظية أو قرينة معنوية، ومن ذلك قولهم: "محبتكجاءت بي إليك" و "سرّتني رؤيتك"، لأنه من الواضح استحالة اتصاف المحبة بالمجيءواتصاف الرؤية بالسرور. هذه استحالة عقلية، العقل لا يتصوّّر ذلك وبالتالي فهذهقرينة حالية، وهي الاستحالة العقلية.

أما الصورة الثانية من صوَر القرينة غيراللفظية: فمنها: أن تكون استحالة صدور المسند من المسند إليه المذكور في الكلام، أوقيامه به إنما هي استحالة عادية عُرفية على حسب العادة والعرف بين الناس، نحو أنتقول: "هزم القائد جيوش الأعداء". "وكسا الأمير فلان الكعبة"، و"بنى الوزير مدرسة"؛فهنا من المستحيل بحكم العادة والعرف، أن تصدر هذه الأفعال عن القائد، أو عنالأمير، أو عن الوزير. العادة والعرف: أن الوزير أو القائد أو الأمير يصدر أمراً، والتنفيذيون هم الذين يقومون بتنفيذ هذا الأمر، وإن كان العقل لا يمنع من أن يباشرالأمير والقائد والوزير هذه الأفعال بأنفسهم، هذا متصور من الناحية العقلية، ولكننانقول بالمجاز في هذه الأمثلة من الإسناد بناءً على الأعراف التي تواضع عليها الناسوتعارفوها فيما بينهم.

ومن صوَر القرينة غير اللفظية أو الحالية أوالمعنوية: أن نعلم صدور الكلام من مسلم موحِّد يعتنق مذهب أهل السنة والجماعة، كمافي قول مَن تعرف حاله على هذا النحو: "شفى الطبيب المريض" وأمثالَه. فلو أنك سمعتهذا وعلمت أن صاحبه مسلم يعتنق مذهب أهل السنة والجماعة، وهو لا يعتقد بأن الطبيبهو الفاعل الحقيقي وإنما هو سبب من الأسباب، عند ذلك تكون معرفة حال القائل هناقرينة معنوية من صوَر القرينة المعنوية. وبذا يتبيّن لنا: لا بدّ في المجاز العقليمن وجود قرينة، وهذه القرينة قد تتنوع ما بين لفظية إلى معنوية، وإن كان الغالب علىقرائن المجاز العقلي هي القرائن المعنوية، كالاستحالة العقلية، والاستحالة العرفية، ومعرفة عقيدة المتكلم.

ـ[أبوحسام ألأشقر]ــــــــ[13 - 04 - 2008, 01:11 ص]ـ

بارك الله فيكم ونحن لك من الشاكزين على هذه المعلومات القيمة ........

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير