فإن ذُكر معادل بعد "أم"، واقعاً بعد "همزة" التصديق هذه، كانت "أمْ" منقطعةً. يعني: لو جاءت "همزة" التصديق وبعدها جملة، ثم وقع بعد هذه الجملة لفظ "أمْ"، ثم وقع بعد لفظ "أم" جملة أخرى، هنا: هل ما بعد "أم" يكون معادلاً لِما قبلها؟ أي: مساوياً له. وهل "أمْ" هنا تكون متّصلة، أم تكون منقطعة؟
قالوا: لو وقعت "أم" وبعدها كلام بعد "همزة" التصديق، فإنّ "أم" تكون منقطعة، ويكون معناها "بل". ونحن نعلم أنَّ "بل" للإضراب، أي: للإضراب عن الكلام السابق كأنَّه لم يُقَل، فهو مسكوت عنه. فـ"أم" هنا في هذه الحالة لا تكون حرفَ عطف يصِلُما بعده بما قبْله؛ بل تكون منقطعة، والمعنى فيها بمعنى "بل"، وكان بعدها همزة أخرىمقدّرة في الكلام.
بالمثال يتّضح المقال، قال الشاعر:
ولست أُبالي بعْد فقدي مالِكاً
أموتيَ ناءٍ أمْ هو الآنَ واقعُ
يعني: لست أهتمُّ بعد أن فقدتُ مالكاً، أأموت الآنَ أم يتأخَّر موتي لمدَّة؟ "أموتي ناءٍ" أي: بعيد، أي: سأعمّر بعده أمْ أموت الآن. لا أهتمُّ بحياتي بعد أنفقدتُ هذا الرجل. هنا: "أموتي ناءٍ": تلحظ أنّ "همزة" الاستفهام هنا دخلت على جملةاسميَّة -"موتي": مبتدأ، و"ناءٍ: خبر المبتدإ-. والسؤال إذاً هنا عن نسبة وقوع البعد عن موْته، هل هي متحقِّقة، أم لا؟ ويكون الجواب عنها بـ"نعم، موتي ناءٍ" أي: سيُؤخَّر عمري، أو: "لا، موتي لن يؤخر، وسأموت الآن".
"أموتي ناءٍ؟ ": الهمزة هنا للتصديق، وقع بعدها "أم" وجملة أخرى.
"أم هو الآن واقع؟ "، أهو -يعني: الموت- أم الموت الآن واقع؟ فالسؤال بـ"الهمزة" هنا عن النسبة؛ فهي للتصديق. و"أم" هنا ليست حرف عطف تصِل ما بعدها بما قبْلها؛ بلهي منقطعة، أي: تقطع ما بعدها عمَّا قبلها، وهي بمعنى "بل"، ويُقدّر بعدها همزةُاستفهام أخرى، وكأنّ معنا استفهاميْن، وليس استفهاماً واحداً. فـ"أمْ" هنا بمعنى: "بل"، للإضراب عن الكلام السابق، وكأنَّه مسكوت عنه، وليس موضوعاً في الاعتبار، للإضراب عن التساؤل: "أموتي ناءٍ؟ ". والتقدير: "بل أهو الآن واقع؟ "، وبعدها همزةمقدَّرة يُسأل بها سؤالٌ آخَر. والمعنى: "أموتي ناءٍ؟ "، ثم يُضرب عن هذا الكلام، ثم يقول: "بل أهو الآن واقع؟ "؛ وكأنه يتمنَّى أن يموت الآن وألاّ يُعمّر طويلاً.
إذاً، هنا كلامان، وليس كلاماً واحداً، وهذا بخلاف "همزة" التصوّر
إذاً، "همزة" التصديق لا يقع بعدها "أم"، فإن وجدنا في الكلام الفصيح وقوعُ "أم" بعد "همزة" التصديق، كانت "أم" منقطعةً بمعنى "بل"، ويقدّر بعدها "همزةُ" استفهامٍ داخلة على الكلام الواقع بعدها؛ ويكون معنا سؤالان، وجملتان مستقلَّتان: الأولى مُضرب عنها ومسكوتٌ عنها، والثانية هي المقصودة بالسؤال.
وبذلك نكون قد انتهينا من أحكام "همزة" التصديق، يُسأل بها عن النسبة، أي: ثبوت المسنَد للمسنَد إليه أو نفْيه عنه. ويجاب عنها بـ"نعم" أو بـ"لا"، ولا تقع بعدها "أم". فإذا وقعت بعدها "أم"، كانت منقطعة، وكان معناها "بل" التي للإضراب، وكان بعدها "همزة" مقدَّرة داخلة على الكلام الذي جاء بعدها؛ ويصبح الكلام جملتيْن مستقلّتيْن: الأولى في حكْم المسكوت عنها، أضرب عنها القائل. والثانية هي المقصودةُبالسؤال، ويجاب عن الثانية: "أم هو الآن واقع؟ " بتقدير: بل أهو الآن واقع؟ يُجاب عن ذلك بـ"نعم" أو بـ"لا".
هذه همزة التصديق. والله أعلم.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[23 - 03 - 2008, 09:35 م]ـ
الأستاذ الكريم تأبط شعرا ..
إنّ مقالاتك أكثر من رائعة، بارك الله فيك، ونفع بعلمك ..
ولكن حاول يا أخي أنْ تحدّ من استخدام أشكال الخطوط الصعبة، مثل الخط الأندلسي، فإنّه يتعب النظر، ولا يعين على قراءة الموضوع كاملاً ..
ودمتَ سالماً معافى ..
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[26 - 03 - 2008, 12:25 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ,وأشارك أستاذى الفاضل لؤى اقتراحه0