والإسلام اللازم: هو الإسلام العام الذي يعني الانقياد لأمر الله، عز وجل، الكوني، وإن خالف المكلف أمره الشرعي، فإنه لا يقدر على الخروج عن أمره الكوني، فلن يطيع الطائع، ولن يعصي العاصي إلا أن يشاء الله، عز وجل، وقوع الطاعة والمعصية كونا، وإنما امتازت الطاعة بأنها مراد الله الشرعي الذي يحبه ويرضاه، بخلاف المعصية فهي مما يبغضه الله، عز وجل، ويسخطه، وإن أراده كونا لمصلحة تربو على مفسدة وقوعه.
الشاهد: أن إطلاق الفعل عن أي قيد في هذا السياق قد أعطى المعنى من العموم ما لم يعطه في حالة التقييد بالمفعول أو الحرف.
*****
قوله تعالى: (من في السماوات والأرض):
الأصل في: "من" أنها للعاقل، ولكنها في هذا السياق تفيد عموم: العاقل وغير العاقل، كما في قوله تعالى: (ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض)، فاستعمال من فيما لا يعقل - في هذا الموضع - من باب التغليب، والأصل تغليب من يعقل على ما لا يعقل، وقد يغلب ما لا يعقل على من يعقل، لنكتة، وهذه النكت تختلف باختلاف الأحوال والمقامات.
بتصرف من: "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل"، (1/ 125).
ويؤيد ذلك عموم الظرفية في: "السماوات والأرض"، فضلا عن عموم "من" الموصولة التي تفيد العموم بمادتها، فآل المعنى إلى: وله أسلم كل من في جميع السماوات والأرض، فـ: "أل" في: "السماوات" و "الأرض" جنسية تفيد استغراق ما دخلت عليه، والاستغراق هنا حقيقي.
*****
قوله تعلى: (طوعا وكرها): حالان جاءا بصيغة: "المصدر" الجامد الذي يدل على المعنى دلالة مطابقة، والأصل في الحال أن يكون: وصفا مشتقا، فلما جاء مصدرا في هذا الموضع، دل ذلك على إرادة المبالغة، فإن الإخبار بالمصدر يدل على تلبس المخبر عنه بالمعنى الذي يدل عليه المصدر، حتى صح وصفه به، فكأن المعنى، وهو في أمر عقلي لا يوجد مطلقا إلا في الأذهان، قد تجسد في شخص الموصوف، فصار جوهرا بعد أن كان عرضا، باصطلاح أهل المنطق، ومن ذلك:
قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)، فوصف البيت، (وهو: اسم ذات)، بالمصدر: هدى، (وهو: اسم معنى)، على سبيل المبالغة، فهو سبب الهدى، فنزل السبب منزلة المُسَبَب.
فمن في السماوات والأرض، مسلم منقاد: طائعا كان أو مكرها، فمن التزم الأمر الشرعي فهو المسلم طاعة، ومن خرج عنه فهو المسلم كرها، فلن يخرج عن مشيئة الله، عز وجل، الكونية النافذة كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وقدر بعض أهل العلم وقوع التوكيد من جهة: تقدير مصدر محذوف مبين لنوع عامله، فيكون المعنى: وله أسلم من في السماوات والأرض إسلام طوع وإسلام كره، وقدره آخرون بأنه مصدر ناب عن الحال: طائعا ومكرها فيكون من باب: "تبادل الصيغ"، والمعنيان الأولان: أقوى دلالة من جهة توكيد العامل: "أسلم".
*****
قوله تعالى: (وإليه يرجعون): توكيد بتقديم ما حقه التأخير، فيفيد الحصر والقصر كما تقدم في قوله تعالى: (وله أسلم).
ففي الآية من العمومات التي لم يدخلها التخصيص الشيء الكثير:
ففيها عموم إسلام كل الكائنات له، جل وعلا، وعموم المسلمين: طوعا وكرها، فالأول: عموم فعل، والثاني: عموم فاعل، وعموم مصير كل الكائنات إليه، جل وعلا، وفي التنزيل: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا).
والله أعلى وأعلم.
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[02 - 04 - 2008, 06:49 م]ـ
سلمت يداك, وجزاكم الله خيرا0
ـ[السراج]ــــــــ[04 - 04 - 2008, 05:00 ص]ـ
بارك الله فيك وفيما كتبت ..
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[04 - 04 - 2008, 08:45 ص]ـ
أحسنت
يا أخي الكريم
وسلمت يداك
وجزاك الله خيرا
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 04 - 2008, 09:25 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام الأفاضل على المرور وحسن الظن والثناء، وبارك فيكم، ونفعكم ونفع بكم، وسلم أيديكم.