تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا ما مُسُّوا بضرب من ضروب النقد، ولو كان يسيرًا؛ أنفة منهم من الخضوع للحق الأبلج، وذهابًا بأنفسهم عن الخطأ، الذي يذهب بما لهم من جلال وكمال رأوه لأنفسهم، باختداع الشيطان إياهم، وتسويله لهم أنهم من كملة العلماء".

وليست تلك الاعتقادات من باب الدعاوى العريضة؛ بل هو منهج ارتضاه لنفسه، وبها بدأ؛ وفي ذلك يقول: "وإني على نهجي الذي انتهجت منذ أول كتاب نشرتُ، أدعو النقاد إلى إظهارِي على أوهامي فيها، وتبيينِ ما دقَّ عن فهمي من معانيها، أو ندَّ عن نَظَرِي من مبانيها؛ وفاءً بحق العلم عليهم، وأداء لحق النصيحة فيه، لأَبْلُغَ بالكتاب فيما يُسْتَأنَف من الزمان، أمثلَ ما أستطيعُ من الصحة والإتقان".

وبهذا المنهج الأصيل أمتع السيد أحمد صقر القرَّاءَ بثروة من المقالات القيمة لنقد طائفة من كتب التراث، اتسمت بالأصالة والدقة والأمانة، وأبانت عن قدرة فذة في تصحيح التصحيفات، وجرأة عالية في تفسير الغامض، وتوضيح المشكِل.

وقد كان لهذه النقدات أثرٌ كبير في تقويم مناهج النشر، وشحذ لأذهان المؤلفين والمحققين، وتمحيص لحقائق العلم، وربما كان فيها أحيانًا ما يثير الحفيظة، ويوغر القلب، إلا أنه بجانب ذلك حقائق تذاع، وبحوث تنشر، تدل على عقل باحث، وقلم نشيط.

النقد بالصمت:

ومن طريف نقدات السيد أحمد صقر: ما ذكره لي الأستاذ منصور مهران - حفظه الله -: وهو أنه وقف على كتاب طبع في مصر، يطعن في القرآن الكريم، لمؤلف مجهول، يقول الأستاذ منصور: فاستعظمتُ ذلك، وحملت الكتاب مباشرة إلى شيخي محمود محمد شاكر، فأمرني مباشرة بحمله إلى السيد أحمد صقر، وكان حينها أمينًا عامًّا لمجمع البحوث الإسلامية، فلما ذهبت إليه في مكتبه، قال لي: "لقد وقفنا على هذا الكتاب، وسوف نقتله بالصمت"، واستشهد بالأثر المروي عن عمر - عندما غلا سعر اللحم في زمانه -: "أرخصوه بالترك يقول الأستاذ منصور: ثم تبين بعد ذلك أن اسم المؤلف وهميٌّ، وأن الكتاب مجلوب من الخارج؛ من أجل استفزاز العامة، وشَغْلِ الخاصة.

السيد أحمد صقر أديبًا:

أما أدب السيد أحمد صقر، فإذا ما عنينا بالأدب معناه الخاص: وهو الأعمال الفنية المنشأة من قصة، ورواية، وشعر وغير ذلك، فالحق أنه لم يكن للسيد أحمد صقر نصيب من ذلك لا من قريب، ولا من بعيد، حسب ما ظهر من أعماله وكتاباته [37]، وفي هذا يقول الدكتور عادل سليمان: "وإني لأشهد أني لم أرَ الأستاذ صقرًا طوال صحبتي له سنين عددًا يكتب أدبًا منشأً، شعرًا ونثرًا، كما كان شأن الأستاذ شاكر، ولم أشاهده يخوض فيما كان يخوض فيه الحاضرون في ندوة الأستاذ شاكر يوم الجمعة، إذا تطرق الحديث إلى أدب كاتب – قصة، أو رواية، أو مسرحية، أو شعر شاعر - وعلى الرغم من أنه كان له في النحو باع، وفي اللغة بسطة، وفي البلاغة تمكن واقتدار" [38].

وأما إذا عنينا بالأدب معناه العام: وهو حسن البيان، وجودة العبارة، والبراعة في الأسلوب، مما هو لازم لكل كاتب يريد لكتابته أن تُقرأ، ولكل عالم يريد لعلمه أن يَذيع - فلا سبيل للدكتور عادل سليمان إلى توهيم [39] الدكتور الطناحي في أن السيد أحمد صقر - رحمه الله – "أديب من الطراز الأول، ولو أنه أطلق لملكاته الأدبية العنان لكان من كبار أدباء العربية"، واستدلال الدكتور عادل سليمان على ذلك بأنه أكثر معرفة بالسيد صقر من الطناحي، وأنه أسبق اتصالاً به، في غير محله؛ إذ إن الصداقة العقلية أكثر أثرًا، وأنفذ بصرًا في مثل هذه الأمور، من الصداقة الشخصية؛ إذ يعتبر السيد أحمد صقر - ومثله الطناحي - من زعماء النثر العلمي الأدبي الرفيع، ومن العلماء القلائل الذين استطاعوا أن يعرضوا الحقائق المعرفية، والمسائل العلمية، والقضايا المجردة في أسلوب عذب ندي، يترقرق فصاحة وصفاء وإشراقًا، إضافة إلى ذلك أنه كان يتعهد كتاباته، ويبالغ في تنقيحها وتحريرها وتحبيرها، حتى لا تكاد ترى فيها ركاكة، ولا قلقًا وتكلفًا، وإن شئت أخي القارئ رَوْضةً أَرِيضَةً في وصف النشر ومتاعبه، تكشف لك ناحية السيد أحمد صقر الأدبية، فلا أظنك تجد مثل هذه الرائعة: "فالنشر فنٌّ خفيُّ المسالك، عظيمُ المزالق، جَمُّ المصاعب، كثيرُ المضايِق، وشواغلُ الفِكْر فيه متواترة، ومتاعبُ البال وافرة، و مُبْهِظَاتُ العقلِ غامرة، وجهودُ الفردِ في مضمارِهِ قاصرة، يَؤُودُها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير