إننا سعداء بهم يا أبي، لكنّ رحيلكم –ولستم قلة كيفًا وكمًا- قصم ظهورنا وظهورهم، لذلك يبكونكم، ونحن معهم نبكيكم ..
اعتكفنا العشر الأواخر في الخلفاء، كان الاعتكاف حزينًا يتيمًا، لم يغادر شباب الخلفاء سنّتك فصلّوا كلّ ليلة عشرة أجزاء في عشر ركعات، وختموا في العشر الأواخر ثلاث ختمات، لكننا افتقدناك وكاد قلبي يقف إذ دخلت قائمة الشهداء المدعوّ لهم في كل وتر! وزادني حزنًا أنني لم أجد غسان ولا عبد القادر حولي وعزّ عليّ ألا يكون لي إخوة صغار، فبكيتكم كثيرًا .. وطالما سنبكيكم!
أخوك إسماعيل هنية ..
إنه أخوك فعلًا يا أبي، وقد كان كما أخبرتني ذات ليلة إذ قلت لي:
إن نفس "أبو العبد" فينا كنفس الشيخ أحمد ياسين!
إنه يحبّ الشهداء يا أبي وذوي الشهداء، ويتبع سنّة حبيبنا محمّد عليه السلام التي كنت تنشرها، وتصدح في دروسك بقوله صلى الله عليه وسلّم: "إني أرحمهما .. قتل أخوهما معي"!
لقد كان عمّنا يا أبي، ولولا أننا لا نرى لك بديلًا لكان أبانا، وزارنا يا والدي مرارًا، واستحلفنا بالله إن احتجنا شيئًا أن نعتبره أقرب الناس، وقد كان كذلك يا أبي، وقد سعدت بثقتك، وفرحت بفراستك.
إنه يحترمنا إذا كلّمنا، ويكرمنا إذا قابلنا، ويعاملنا أفضل مما لو كنت حيًا، وقد أعجبنا ذلك منه كثيرًا، واطمأنّت إلى ذلك قلوبنا لأن قائدًا يحمل كلّ هذا الوفاء هو أهل لتوفيق الله عزّ وجلّ!
قلة يا والدي يتحلّون بالوفاء في هذا العالم، وأقلّ منهم يحملون ما يحمله أبو العبد منه!
كم أسعدنا كرمه، وأقرّ أعيننا وفاؤه، لكننا يا والدي حين نرى ذلك منه نتذكّر طيب أخلاقك، وعلوّ سماتك، فتثور لواعج الشوق لدينا، فنبكيكم!
أخوك فتحي حمّاد يا أبي، إنه أيضًا أخوك ..
وقد بكاك ونعاك، وأحسن رثاءك إذ رثاك ..
إنه كثيرًا ما يذكرك، وطالما افتخر بك، وقال: إنه –يعنيك يا أبي- أول شيخ لي في الدعوة، وأول مسئول في التنظيم ..
اتّصلت به بعد تولّيه الوزارة ثلاث مرّات، فقال في كل مرة: تعال الآن!
وكان في إحداها متعبًا وفي أخرى مشغولًا، فلم يعتذر وقد كان بوسعه الاعتذار، وجلس إليّ ذات مرة وقد غادر اجتماعًا، فبقي معي، واحتفى بي وأكرمني، ولم يعد إلى اجتماعه حتى استأذنت، ففرحت به وسعدت، وفرحت له ثانية إذ أكرمه الله بمولودين ذكرين سمى أحدهما باسمك، والآخر باسم قرينك الشهيد القائد سعيد صيام.
لكننا يا والدي كثيرا ما رأيناك معه، وإذا رأيناه تذكّرناك .. فمن أجل ذلك نبكيكم!
أخوك أبو الناجي الخضري يا أبي ..
إنه أيضًا أخوك بحقّ ..
لا يكلّمنا إلا ودموعه في عينيه، وإنه يخجلنا بتواضعه وبالغ كرمه، وقد كانت المؤسسة التي جمعتك به –ولعلّها بعض ما يجمعك به- مؤسسة كريمة ووفية أيما وفاء.
إن إخوانك في "الجامعة الإسلامية" –وعلى رأسهم أخوك أبو الناجي- كانوا نموذج أخلاق، وقد احتفوا بنا يا والدي، وأكرمونا بعدك، وأخلفوني مكانك، ثمّ لم يفوّتوا فرصة لتكريمك والإشادة بك.
وقد أطلقت كلّيتك يا والدي مؤتمرًا علميًا يحمل اسمك، يرأسه أخوك الدكتور نسيم ياسين، فبوركت الهمم.
لقد أسعدني ذلك يا والدي وواساني، لكنني كنت أحبّ أن أكون شريكك لا وريثك! لذلك بكيتك إذ دخلت مكتبك، وطالما سأبكيك!
الرجل الأبيض الخلوق الذي عرّفتني إليه في المكتبة يا أبي، وجلس إليك خمس ساعات متواصلات.
كنتَ أخبرتَني أنه صاحب خلق وذوق، لكنني انبهرت بالواقع إذ عايشته، وقد علّمتني يا أبي أنه "ليس الخبر كالعيان".
إنه من أوفى إخوانك إليك، وأحسنهم معاملة لأهلك ..
يعاملنا بما لا يعامل به كبار القوم، وأصحاب المراتب والرتب، ويخجلنا إذ نقول له: يا عمّ، فلا يقول إلا: يا أخي!
إنني يا أبي إذ أجالسه أتخيّل كم من الكرام فاتني أن تعرّفني بهم، وكم من أصحاب المعادن الثمينة مثل هذا الكريم قصّر العمر دون أن أتعرف بهم، لذلك يا أبي لا أنفكّ أبكيكم!
لن نفتح اليوم عزاءً لأنك علمتنا أنه بدعة محرّمة، وسنذهب نصلّي العيد نفرح مع المسلمين، لكنني يحزنني ألا تكون خطيبنا اليوم كما تعوّدنا .. ويفطر قلبي أنني لن أبدأ جولة العيد ببيت أهلي .. لذلك يا أبي لا تلمني إن بكيتكم وبقيت الدهر أبكيكم!
إنني يا أبي لو انطلقت أحدّثك عن أسباب بكائنا إياكم، لا سيّما والتكبيرات تصدح صباح هذا العيد، لن أنتهي .. لكن هذا بعض ما يحضرني وتخنقني عبراته، ولا أعلم إن كان سيعجبك هذا منّي أم لا .. لكنني لا أقول لك إلا كما كتبت لك ذات مرّة في حياتك:
يا والدي إني لأعلم أنه ***** قد لا تسرّ بشعري الدفّاقِ
فاغفر –رعاك الله- كم من شاعر ***** رفض السكوت بثورة الأشواقِ
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[25 - 09 - 2009, 04:57 ص]ـ
اللهم ارحمنا ..
ـ[بل الصدى]ــــــــ[25 - 09 - 2009, 05:08 ص]ـ
رحمه الله رحمة واسعة و جعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين وحسن أولئك رفيقا ..