تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أثر الغناء في العقائد والأعمال]

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 11 - 2009, 05:35 م]ـ

للسماع، أو الغناء في قاموسنا اللفظي المعاصر، أثر بارز في العلم والعمل، في الاعتقادات والإرادات:

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان فتنة الغناء:

"والفتنة تحصل بالسماع من وجهين:

من جهة البدعة في الدين ومن جهة الفجور في الدنيا.

أما الأول فلما قد يحصل به من الاعتقادات الفاسدة في حق الله أو الإرادات والعبادات الفاسدة التي لا تصلح لله مع ما يصد عنه من الاعتقادات الصالحة والعبادات الصالحة تارة بطريق المضادة وتارة بطريق الاشتغال فإن النفس تشتغل وتستغني بهذا عن هذا. (فاشتغالها بأحد الضدين مانع من اشتغالها بالآخر، كمن اغتذى بطعام دون آخر حتى حصل له به الشبع فاستغنى به عن الآخر).

وأما الفجور في الدنيا فلما يحصل به من دواعي الزنا والفواحش والإثم والبغي على الناس.

ففي الجملة جميع المحرمات قد تحصل فيه وهو ما ذكرها الله في قوله: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ". اهـ

بتصرف من: "الاستقامة"، ص292.

فالغناء إذا جرى مجرى الديانة على حد ما نرى من موشحات أهل الطريق والقصائد الغزلية التي تستثار بها القوى الباطنة، فهي تثير الشجن والطرب لكل سامع، فالعاشق تحرك شجون نفسه التي تعلقت بالصور الأرضية، والمريد قد تقع في نفسه موقع التذكير والتنبيه على حد قول الجنيد رحمه الله: "السماع فتنة لمن طلبه، ترويح لمن صادفه"، إن جرى مجرى الديانة: فهو طريق وعر مليء بالعقبات، فالسالك فيه قد غامر بسلوك أودية ضلال تتخطف الإرادات الفاسدة فيها القلوب طلبا لإرادة صالحة!، إن حصلها فصدفة، إذ لا يجتنى العنب من الشوك، فإن أدركه واحد، فقد فات ألفا غيره سلكوا الطريق فلم يصلوا، فما جدوى السير في طريق هذا وصفه من الوعورة فضلا عن ضآلة نفعه وعظم ضرره، والديانة لا تؤخذ من وقائع جزئية، وإنما تؤخذ من شرائع كلية، فلا ينكر أحد أن سامعا قد يجد في تلك الموشحات صلاحا لقلبه، ولكنه لا يكون صلاحا خالصا، إذ ليس على حد ما أباح الله، عز وجل، وشرع، فهو من المنهي عنه، وكل ما نهى عنه الشرع فمفسدته أعظم من مصلحته يقينا، فقد تكون فيه مصلحة جزئية، ولكنها لا تصمد أمام مفسدته الكلية، على حد قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)، فوصف الإثم بالكبر، وأطلق المنافع عن الوصف، فتنكيرها في معرض الترجيح مئنة من التقليل والتحقير ففيها مصالح ضئيلة، ولكنها لا تصمد أمام المفسدة الكلية، وذلك مما يتذرع به إلى تحريمها لاحقا، على التدرج المعروف، إذ قد رجحت مفسدتها على مصلحتها، فساغ بمقتضى قياس العقل الصريح: تحريمها، وهو ما حمل بعض أهل العلم كالقاضي أبي يعلى، رحمه الله، على جعل هذه الآية هي المحرمة للخمر، إذ قياس العقل الصريح: درء المفسدة العظمى ولو فاتت بذلك مصلحة صغرى، والشرع لا يأتي بما ينقض القياس الصحيح، بل يأتي بما يزكيه ويؤيده، فإن أي ضرر غالب يزال ولو فوت ذلك نفعا عارضا، على ما اطرد من قانون الشرع والعقل، فالضرر يزال، كما قرر الفقهاء، والشرع هو الذي يحدد أوجه الحسن والقبح تفصيلا، وتعلق المدح والثواب بالأول، والذم والعقاب بالثاني، فلا استقلال للعقل بذلك لقصور مداركه، فغايته أن يدرك الحسن والقبح إجمالا، فرعا عما يجده من اللذة والألم، فما غلبت لذته ألمه استحسنه، وما غلب ألمه لذته استقبحه، ولكنه إذا خرج عن سلطان الشرع الحاكم ضل في أودية اللذات الوهمية، فقدم اللذة العاجلة على اللذة الباقية مع نقص الأولى وكمال الثانية لفساد تصوره، إذ تمرد على الوحي الذي يعصمه من الخطأ والخطل، فاستساغ بالقياس الفاسد: تقديم عارض طارئ سرعان ما يزول فلا ديمومة له، فضلا عما يكتنفه من النقص والألم الذي يعقبه، فهو أشد على النفس مما كانت تكابده قبل مباشرته، فحده: حد المخدر الذي يحصل به المدمن نشوة عابرة، يكتنفها ألم الخوف من زوالها، فضلا عما يعقبها من ألام، فضلا عما تحدثه في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير