كيف تصنع لنفسك تاريخاً .. ؟
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 10 - 2009, 11:17 ص]ـ
التاريخ سلسلة من الحلقات المتصلة والمترابطة وكثير منا عندما يذكر التاريخ يستحضر الماضي مباشرة وما به من أمجاد وانتصارات تفوق الوصف والتخيلات، فما بالنا اليوم وقد توقفنا عن صناعة تاريخ لنا ولأمتنا الإسلامية، أمة الانتصارات والفتوحات، أمة المشارق والمغارب، أمة كانت وستكون هي وأبناؤها صنّاعا للتاريخ ..
حقاً ما أعظمه من عملٍ أن نصنع التاريخ المجيد الذي يفخر به الناس بعد مئات السنين، ويعملون على التواصل معه، والارتباط به واستكمال مسيرته دون توقفٍ أوتباطؤٍ أو تراجعٍ ...
ولا أعني بصناعة التاريخ خلقه وإيجاده من العدم؛ فهذا من شأن رب العالمين تبارك وتعالى،
وإنما أعني به صناعة أحداثٍ تؤتي نتاجاً مباركاً في تحقيق أهدافٍ للأمة الإسلامية؛
تؤثر في حاضرها ومستقبلها، وتضيء الجوانب المظلمة فيها، وتحيي ما مات من آمالها،
وما مرّ من انتصاراتها، وطُمس من أحلامها، دون انتظارٍ لأحدٍ أن يسبق؛
فالمسلم هو أجدر وأقرب من يكون الصانع لتاريخه السابق لغيره ..
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والإتباع الجميل
حيث ضرب أروع الأمثلة في السبق والريادة والشجاعة وعدم الانتظار؛:
روى البخاري رحمهالله عن أنس رضي الله عنه قال ... فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهْوَيَقُول: (لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا)) .. (رواهالبخاري 5686)، ومسلم (6146)).
فهنا صلى الله عليه وسلم لم يسبقه أحد إلى الحدث، ولم ينتظر أن يقوم به أحد - فأصحابه كثر ولن يتأخروا أويتباطؤا رضي الله عنهم جميعاً - بل ذهب صلى الله عليه وسلم وكأنه لا يوجد في المدينة سواه!!
ولكن الآن وفي ظل التجهيل بإسلامنا وقيمنا ومبادئنا واحترامنا لأنفسنا أصبح السبّاقون لصناعة التاريخ فضلا عن المبادرين والساعين لصناعته قلة قليلة جدا، والله المستعان.
نعم فهو مطلب ليس من السهل الحصول عليه والوصول إليه،
ولكن لنأخذ بالأسباب والنتائج وآليات الصناعة أقصد آليات صناعة الرجال.
فنصنع تاريخاً لأنفسنا من أجل تحقيق آمال أمتنا وتضميد بعض جراحها التي ما زالت تسيل منها الدماء بل تُقذف قذفاً؛ فصناعة تاريخ لي هو نفسه صناعة تاريخ لأمتي التي أنا جزء منها وهي كلٌّ لي،
فكيف تهون النفس على الإنسان أن يكون كأنه غير كائن، كأنه غير إنسان حقيقي،
فهو في طريق لا يعلم سبب وجوده فيه ولا هدفه،
ولا يعلم إلى أين سيأخذه هذا الطريق هل إلى المجد المنتظر أم إلى الحضيض وسفال الفِكَر؟
واعلم أن هناك من الناس من هم حولنا يصنع تاريخاً لنفسه يومياً
ولكن تاريخاً مزيفاً لا يترك بصمات فهو لا يشغله من أي الأبواب يدخل فهدفه الدخول
ولو على حساب دينه ومعتقده وولائه وبرائه ..
هدفه صناعة تاريخ لنفسه بدون هدف أو دافع سوى حب النفس وشهرة الصيت وجمع المال، أنانية ظاهرة جلية واضحة، وحيْد عن الطريق القويم، ليته يرجع لعل الأمة تتباهى به يوماً من الأيام،
حقاً لعلها تتباهى به ...
فمن دخلوا بوابة التاريخ كُثُر منهم:
المجرمون والعصاة بل والمرتدون،
وأدعياء العلم، والطغاة،والثوّار، وأباطرة الحرب والمال،
والممثلون، واللاعبون ..
ومنهم الدول، والممالك، والفرق, والجماعات , والطوائف ,
والأحزاب ... وقائمة طويلة لا تنتهي من غثاءالأمة وفضالة رجالها!!
نعم ليس كل من دخل التاريخ صنعه كما يرضي رب العالمين، وكما نريد لأمتنا الأبيّة؛ فليس كل من كًُتب اسمه في الكتب أو الصحف أو المجلات أو ظهر في وسائل الإعلام بنى حضارة أو ترك أثراً أو بصمة أو ذكرى طيبة أو أسس مبدأ أو دافع عن قضية إسلامية.
إن صناعة التاريخ لها رجالها الذين يصنعونه بدينهم واستقامتهم وطاعتهم لرب الأرض والسموات؛
فليست بصدفةٍ أو هي مهنة يمكن لمن يشاء أن يمتهنها، لكنها عزيمة وإصرار وطموح وآمال
وإبداع نفوس خلقها الله لذلك وبث فيها من القوة والصبر والتضحية وبذل النفس والمال والولد فصناع التاريخ .. {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23}
وهي مهمة كانت من مهمات الأنبياء والصديقين والشهداء والتابعين والرجال المخلصين
من أهل الاستقامة والخير والتقوى أمثال:
نور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، وقطز،وأورخان غازي،
ومحمد الفاتح، وعمر المختار، وعبد الله عزام، وأحمد ياسين، وخطاب،
وشامل باسيف وغيرهم الكثير والكثير، حقاً إنهم (أقمار في زمن الظلمة).
{مَنْ كَانَ يُرِيدُالْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُوَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ
وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10}
............................................
مقالٌ أعجبني ففضلت وضعه على أجزاء متفرقة حتى لا تضيع كثرته جمال محتواه ..
بقلم الأستاذ / سامح محمد عيد
¥