تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من معاني الاستواء]

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 10 - 2009, 06:00 م]ـ

من كلام بعض الفضلاء المعاصرين في مسألة العرش واستحقاق العالي المستوي، عليه، عز وجل، تمام الملك الكوني والحكم الشرعي:

كلامه عن:

علة استحقاق الملك:

فإن علة ذلك أمران:

صناعة الشيء: فإن صناعة الشيء توجب تملكه، فتلك من البدهيات العقلية التي يسلم بها عامة العقلاء.

والله، عز وجل، يصنع كل صانع وصنعته، فوصف الخلق: تقديرا وإيجادا، ثابت له من الأزل إلى الأبد، فلم يكن، جل وعلا، عن وصف الخلق والصناعة معطلا، فهو الخالق وما ثم مخلوق، والصانع، وما ثم مصنوع، فذلك مئنة من استحقاقه الملك العام فهو: المالك للأعيان، الملك للأحوال تدبيرا وتصريفا.

وفي حديث حذيفة، رضي الله عنه، مرفوعا: "إن الله يصنع كل صانع وصنعته".

أو: وراثته: والوراثة لا تكون إلا مع ثبوت الحياة للوارث بعد فناء مورثه، والله، عز وجل، له من وصف الحياة أكمله وأدومه، فحياته كاملة لا يعتريها نقص، دائمة متصلة من الأزل إلى الأبد فلا يعرض لها ما يعرض لبقية الحيوات من العدم السابق والفناء اللاحق، وما اتصلت حياة أهل الدارين إلا بإبقاء الله، عز وجل، لهم، فديمومة حياتهم منه صادرة، فهو الذي شاء لهم الخلود فلا موت، وأما أزلية حياته وأبديتها وديمومتها بين ذلك فهي وصف ذاتي ملازم له، جل وعلا، قائم بذاته على حد الدوام والاستمرار، فلا يتصور عروه عنه، أو حدوثه له بعد أن لم يكن، فإن ذلك وصف المخلوق الذي كان عدما فامتن الله، عز وجل، عليه بالإيجاد، ووهبه الحياة فتحرك من سكون، ونما من جمود، ثم هو بعد ذلك إلى الفناء صائر لا محالة، فتلك سنة كونية عامة بها يمتاز كمال الرب، جل وعلا، من نقصان العبد، فلكل وصف يليق بذاته، فكمال حياة الرب، جل وعلا، القائمة بذاته على حد ما تقدم من التلازم الذاتي الذي لا يقبل الانفكاك، كمال حياته، جل وعلا، من كمال ذاته القدسية، فهي فرع عنها، فالقول في الفرع كالقول في الأصل بداهة، وفي المقابل: نقصان حياة العبد بما يعتريها من عدم سابق وفناء لاحق ونقص لازم: من نقصان ذاته العدمية ابتداء الفانية انتهاء، فنقص وفناء حياته من نقص وفناء ذاته، وكمال حياة الباري، عز وجل، من كمال ذاته، وكمال أوصافه الذاتية من كمال حياته، إذ الحياة أصل صفات الذات، وكمال أفعاله من كمال قيوميته، إذ القيومية أصل صفات الأفعال، كما قرر ذلك شارح الطحاوية رحمه الله، فهو: الحي ذاتا، القيوم أفعالا، فله تمام الملك وتمام التدبير والتصريف بمقتضى وصف حياته الذاتية، فعنها تصدر كل حياة خلقا وإيجادا، وقيوميته الفعلية فعنها تصدر الأفعال تدبيرا وتصريفا، فلا يفتقر إلى شريك، إذ لا ظهير له ولا معين من خلقه سواء أكان ذلك في الخلق والإيجاد، وهو ما يسلم به عامة العقلاء، أو التدبير والتصريف، وهو ما زل فيه فئام من المتفلسفة وغلاة أهل الطريق، فالأولون ردوا أمر التدبير إلى الكواكب والأجرام، والآخرون ردوه إلى الأولياء والأقطاب! فوقع كلاهما في شرك الربوبية الذي سلم منه المشركون الأوائل على ما جاء في التنزيل من بيان حالهم في معرض استنطاقهم بالحجة الملزمة لهم بإفراده، جل وعلا، بالعبودية فرعا عن تسليمهم بانفراده بالربوبية: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، فذيلوا جوابهم بوصفي العزة جلالا، فلازمها القدرة على الخلق، والعلم جمالا، فلا يكون خلق إلا عن علم محيط سابق، فبه يقدر الخالق خلقه، على حد قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

والصانع إنما يفتقر إلى الظهير المعاون إذا كان عاجزا عن الصنع أو التدبير بمفرده، وذلك مما يتنزه عنه الرب، جل وعلا، بداهة، وفي التنزيل: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير