اليوم نبكيكم .. وكلّ يوم ..
ـ[بنت خير الأديان]ــــــــ[24 - 09 - 2009, 01:50 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم // براء نزار ريان
اليوم نبكيكم .. وكلّ يوم!
والدي الحبيب،
سلام إليك وعليك، بقدر اشتياقي وتحرّقي للقياك، وما في القلب لك من وجد وشوق!
أحبّ أن أخبرك بداية أننا نحسن بالله الظنّ، وأننا نراكم بإذن الله في جنان الخلد تتنعّمون، على الأرائك تنظرون، ونظنّ أن الله سبحانه أكرمكم بكرامة الشهادة في سبيل الله، وأجزل لكم المثوبة في الدنيا والآخرة بإذنه، ولكننا نشتاق إليكم ولذلك نبكيكم!
تنقصنا نظراتكم، وتعوزنا ضحكاتكم، نفتقد ابتساماتكم، ونشتاق إلى جلساتكم، وتحنّ نفوسنا إلى جمعاتكم، لا سيّما في مثل هذا اليوم ..
الله وحده يعلم كم افتقدناكم، وكم بكيناكم .. لكننا من أجلكم ومن أجل رسالتكم، وقبل ذلك رغبة فيما أعدّ الله للصابرين، تجلّدنا ما استطعنا، وتحمّلنا فوق ما يمكننا، لكننا يا أبي بشر من لحم ودم .. لذلك يا أبي نبكيكم!
لطالما تمنّيت لك الشهادة في سبيل الله، ولم أكن أرضى لك إلا أن تموت شهيدًا، وما كان لمثلك إلا أن يموت هذه الميتة الشريفة، لكنه كان رحيلًا مبكّرًا وأليمًا .. وهذا ما يبكيني!
كما أنني كنت أفرح بإخوتي الصغار، ولطالما فرحت بهم، استبشرت بميلاد كل منهم، وأذكر لحظات خروج كل منهم إلى الدنيا كما لو أنها أمامي، وقد كنت أحلم فيما أحلم أن يكون لك من الذرّية ما ينافس عائلة كاملة، وقد أنعم الله عليك وآتاك، وأكرمهم بما هو أفضل من ذلك .. لكننا –بضعفنا وقصور تفكيرنا- كنّا نحبّ أن يظلّوا بيننا ..
لذلك يا أبي نبكيكم!
لقد أسعدني أن ختم الله لك وللوالدة وللخالات بالشهادة، وأكرمكم بهذه الكرامة بعد طول جهاد وبذل، وأحمل عن كل منكم ذكريات تصلح لي زادًا حتى ألقاكم، لكن إخوتي الصغار يا أبي لم أسعد برؤيتهم كما كنت أتمنّى .. والخيرة فيما اختاره الله .. لكنني أبكيكم!
في رمضان يا والدي .. كنّا نفطر سوية في بيتكم العامر، تعوّدنا على ذلك يا أبي، وكان صعبًا أن نفطر وحدنا، لكننا آثرنا بعد رحيلكم أن نفطر سوية أيضًا وبما تبقى منّا في بيوت بعضنا بالتناوب .. وشعرنا أن الله مبارك فينا، وأننا بإذن الله كثرة .. لكننا مجرّد حفنة منكم .. فلذلك نبكيكم!
ولدك بلال يا أبي .. إنه يشبهك كثيرًا ..
إنني أذكر إذ قلت لك يومًا: لن تجد أخًا مثل بلال لإخوته أبدًا! فتبسّمتَ تبسّم الرضا ..
لقد كان عند ثقتك يا والدي، إنه يحبّ لنا ما يحبّ لنفسه وأكثر .. ويؤثرنا على نفسه وأكثر، ويفدينا بروحه وأكثر!
إنه باختصار –وعلى قرب السنّ- والدنا بعدك، لكننا لا نرى لك مثيلًا ولا عنك تعويضًا أنت وسائر الأحباب ولذلك نبكيكم!
لكن حسبي أنه يشبهك يا أبي وقد عزّ أشباهك، ولذلك أسمّيه الشيخ بلال، تيمنًا بك، ودعاء لله بأن يسير على طريقك .. لكنه نفسه محتاج إليك .. فلذلك أبكي وسأظلّ أبكيكم!
محمّد يا والدي كبر وشبّ، وهو قوي مدبّر .. هو يدنا ورجلنا يا أبي .. ورجل المهمات الصعبة فينا ..
رزقنا الله منه نزارًا بعد استشهادك، وفرحنا بهذا الوافد الوسيم الجسيم، لكننا كنا نحبّ أن تشاركونا فرحته .. ولذلك نبكيكم!
حملت زوجتي يا والدي، وكان المفاجأة أن في بطنها توأمًا! فبكيت كثيرًا، لأنني كنت أعلم أنك ستسرّ بذلك كثيرًا .. شعرت بأن الله يعوّضنا وقرّت بذلك أعيننا، لكننا نفتقد مشاركتكم ولذلك نبكيكم ..
قالت الطبيبة إن في بطنها بنتين، فرجوت أن يكونا في طفولتهما كحليمة وريم، وفي صباهما كآية ومريم، وفي شبابهما كأم عبد الرحمن وأم أسامة، وفي ختامهما كأمي وأم علاء! ونرجو من الله أن يبارك فينا، ولكننا سنظلّ نبكيكم!
ابنتك ولاء يا أبي، صابرة ثابتة .. كما ربّيتها تمامًا ..
لقد فتحت لها باب الثلاجة على ستة عشر، هم أحبّ الناس إليها وأقربهم منها، فما قالت كلمة لا ترضي الله .. ولا ترضيك ..
إنني إذا أردتُّ مدحها، أو سألني أحد عنها، قلت: هي ابنة أبي وأمّي ..
إنها تشبه أمّي كثيرًا يا أبي، وفي ذلك لنا عزاء .. لكننا إذا رأيناها افتقدنا أمّنا! وهذا ما يجعلنا نبكيها ونبكيكم!
جدّتي أم زياد صابرة كما عهدتها يا والدي، وهي التي قدّمت من أولادها أكثر من عشرين، وأهلك يا أبي أهلنا كما كانوا على عهدك، وأكثر بعدك.
¥