تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من وصفه صلى الله عليه وعلى آله وسلم]

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 10 - 2009, 03:08 م]ـ

يقول ابن القيم، رحمه الله، في معرض الإشارة إلى طرف من خُلُقه وخَلْقِه صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

"وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: "لما قدم "تُبَّع" المدينة ونزل بقباء، بعث إلى أحبار اليهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم بها يهودية، ويرجع الأمر إلى العرب، فقال له شموال اليهودي - وهو يومئذ أعلمهم -: أيها الملك، إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل، مولده بمكة، اسمه أحمد، وهذه دار هجرته، وإن منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتل والجراح كثير في أصحابه وفي عدوهم، قال تُبَّع: ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعمون، قال: يسير إليه قومه فيقتلون هاهنا، قال: فأين قبره؟، قال بهذا البلد، قال: فإذا قوتل لمن تكون الدائرة؟، قال تكون له مرة وعليه مرة، وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه، ويقتل أصحابه قتلاً لم يقتلوه في موطن، ثم تكون له العاقبة ويظهر، فلا ينازعه هذا الأمر أحد، قال: وما صفته؟، قال: رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، يركب البعير، ويلبس الشملة، سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى من أخ أو ابن عم أو عم حتى يظهر أمره، قال تُبَّع: ما إلى هذه البلدة من سبيل، وما يكون خرابها على يدي، فخرج تُبَّع منصرفاً إلى اليمن".

قال يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه: لم يمت تُبَّع حتى صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يهود يثرب يخبرونه، وأن تُبَّع مات مسلماً". اهـ

"هداية الحيارى": ص123، 124.

فذلك طرف من استدلال هرقل الذي عرف من سنن الرسل، عليهم السلام، أنهم يبتلون فتدور الدائرة عليهم مرة، وتدور لهم مرة، ليمتاز الصادق من الكاذب، والمتيقن من الشاك، فيقع القتل والجراحات في أصحابه، كما وقع يوم أحد، تمحيصا للقلوب على حد قوله تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ)، واستنباطا للمعلوم الأزلي بإظهاره في عالم الشهادة الوجودي: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ)، فلو كان أمره في ظهور دائم ما عرف الصابر من الجازع، فإن السعة مظنة اجتماع الإنسان بنفسه، فلا يركن إلى ربه، عز وجل، فيصيبه من الفساد الباطن والظاهر، ما تأتي البلية الكونية فتذهب أثره، فهي علاج موجع في مبدئه، شاف في منتهاه، إذ تجمع العبد بربه، عز وجل، على حد الخضوع والافتقار إلى مدده الشرعي بالتوبة، ومدده الكوني برفع شؤم مخالفة الوحي، فإن التلازم بين فساد الشرع وفساد الكون: تلازم وثيق، فهو جار على حد الطرد والعكس.

وأما قوله: "رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة يركب البعير، ويلبس الشملة، سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى من أخ أو ابن عم أو عم حتى يظهر أمره".

ص124.

فهو انتقال من المسلك النوعي بسبر أحوال الرسل في دعوتهم، إلى المسلك الشخصي في أحوال الرسل في ذاتهم، وفي صفاتهم الخَلقية تحديدا في قوله: "ليس بالطويل ولا بالقصير"، وفي صفاتهن الخُلُقِية تحديدا في قوله: "لا يبالي من لاقى".

فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشجع الناس، كما في حديث أنس، رضي الله عنه، وفيه: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا".

وحديث البراء، رضي الله، عنه، عند ابن أبي شيبة، رحمه الله، في "المصنف" وفيه: "كنا إذا احمر البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع للذي يحاذي به".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير