تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الجماعة والفرقة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 10 - 2009, 06:17 م]ـ

من نصوص نبوة أشعياء عليه السلام ما ذكره ابن القيم، رحمه الله، في "هداية الحيارى" عن وهب قال:

"أوحى الله إلى أشعياء: أني مبتعث نبياً أفتح به آذانا صما وقلوبا غلقا، أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقوله، والوفاء والصدق طبيعته، والعفو والمغفرة، والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام مِلّته، وأحمد اسمه، أهدى به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأكثر به بعد القلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب". اهـ

ص127.

وذلك مما يستأنس به في أزمنة الابتلاء، كما استأنس به أشعياء، عليه السلام، زمن اضطهاد بني إسرائيل فإن الحق مظنة اجتماع القلوب والأبدان عليه، فتجتمع القلوب عليه باطنا، وتجتمع الأبدان عليه ظاهرا وتلك من أجل نعم الله، عز وجل، على أتباع الرسل، عليهم السلام، وقد امتن الله، عز وجل، بها على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نحو قوله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فـ: لو أنفقت ذلك على حد المبالغة التي تدل عليها "لو" الوصلية ما ألفت بين قلوبهم وإن ألفت بين أبدانهم على حد ما يؤلف ملوك الدنيا أبدان تابعيهم، وإن كانت قلوبهم تبغضهم، بل تلعنهم، ولكنهم يصطنعون الأنباع بأسباب الكون، وإن أفسدوا بملكهم الجائر أسباب الشرع الذي به تحفظ الممالك بأصح المسالك العلمية والعملية، وتحكم الجماعات بأعدل الشرائع والأحكام، وذلك ذريعة موصلة إلى انتظام الأحوال، مبتغى كل سلطان سواء أكان عادلا أم جائرا، فكل يروم ذلك، فالعادل يستعين به على إقامة ملكه على حد خلافة الابتلاء في نحو قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، والجائر يستعين به على توطيد أركان ملكه، فيسعى في تحصيله ولو بسيف القهر، وذلك مما تنقاد به الأبدان دون القلوب فيستقيم الحال الظاهر مع كمون بذور الفساد الباطن، إذ لا يصلح الباطن إلا الوحي النازل، فهو الذي يصحح العلم الباطن فيحفظ فطرة التوحيد الأولى من قوادح الشرك: مادة فساد الأمم أفرادا وجماعات، ويصحح العمل الظاهر فيستقيم أمر العبادات والمعاملات والمحاكمات والسياسات، فذلك من بركة النبوات التي يصلح بها الدين أصلا، والدنيا فرعا، فبقدر ظهور آثار النبوات في الإمارات والممالك، يكون صلاح حالها الباطن والظاهر، وما ظهر الجفاء والجور إلا باندراس آثار النبوات من الأرض، فإذا غيبت أحكامها وحورب أتباعها، ظهرت الأهواء، وظهورها مظنة الافتراق، بل هو الذريعة العظمى إلى وقوع الافتراق البدني فرعا عن الافتراق القلبي، فتتعدد الطرائق بتعدد الأهواء، فلكل عقل يستحسن ما لا يستحسنه الآخر، فينتصر كل لقياس عقله، وينافح عنه بلسانه ويده، فيقع من ذلك صور من البغي والظلم تستحل فيها الحرمات برسم الانتصار للحق، وسيف أهل الباطل من أصحاب الملل الباطلة والنحل الحادثة كان ولا زال: سيف جور غاشم، فحامله قد ضل طريق الحق الواحد الذي لا يتعدد لجهله أو تقصيره في تحصيل علوم النبوات الصحيحة، فسلك بنيات الطريق إذ أعرض عن دلائل الهدى الواضحة التي لا تتلقى إلا من الرسالة النازلة، فهي التي ترشد المستدل بها إلى طريق الحق، وتوصله إلى مراده وتبلغه مأمنه بالنجاة في الدار الآخرة، فهي معينة له على معرفة الطريق، معينة له على السير فيه، معينة له على الثبات عليه، وذلك مطمح كل العقلاء، وإن تأله كثير منهم بعلوم وأعمال فاسدة يدرك فسادها من له أدنى مسكة من عقل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير