تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن العقل المسلم]

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 11 - 2009, 05:56 م]ـ

من المباحث الرئيسة في علم المنطق:

مبحث الحدود: وهي التي تعرف بها حقائق الأشياء فهي التصورات، والتصور العلمي هو: المقدمة العلمية الضرورية قبل إصدار الحكم، ولذلك اطرد في كلام أهل العلم القول بأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فذلك مما سرى من البحث المنطقي إلى البحث الشرعي، وهو أمر صحيح، ولكن الغلو وقع في تصور الحقائق مطلقة في معرض الرد على السفسطائية منكري الحقائق الخارجية فجاء تصور الفلاسفة: تصورا مجردا في الذهن طلبا لتحديد الماهية على وجه الدقة الشديدة، وهو أمر يتعسر في كثير من الأحيان، سواء أكان ذلك في التجريبيات أم الإلهيات، وهو يشبه إلى حد كبير التصنيف الحيواني أو النباتي الذي تقسم فيه الكائنات إلى ممالك ففصائل فشعب ....... إلخ حتى نصل إلى الجنس فالنوع وتكون كل مرتبة بالنسبة لما فوقها نوعا تندرج تحته، ولما بعدها جنسا أعلى يندرج تحتها فهو تصنيف صحيح مبني على ملاحظة خصائص الكائنات في عالم الشهادة بحيث تجمع كل فرقة من الكائنات تشترك في خصائص معينة في مجموعة لا يدخلها إلا الأفراد أو الأنواع لتي تنطبق عليها تلك الخصائص، فخصائص شعبة الفقاريات: كذا وكذا، فلا يدخلها إلا الكائنات التي تتحقق فيها هذه الخصائص، ومع ذلك يظل الهدف من هذا التقسيم مجرد الفصل بين الأنواع المختلفة، فلو حدت شعبة أو طائفة بخصائص متعددة وحصل التمايز بينها وبين بقية الشعب أو الطوائف بخاصية أو اثنتين، فقد تحقق الهدف من هذا التصنيف دون حاجة إلى استيفاء كل الحدود الفاصلة، فالحد عند التطبيق: يفيد العقل التمييز بين المتباينات تبعا لتمايزها في الأوصاف، فلم يوضع لتجريد ماهية كل كائن على وجه التحديد بحيث يكون دالا على تلك الحقيقة على وجه الجزم القاطع فغاية العقل أن يجتهد في حده ما أمكن، ومع ذلك ترد اعتراضات لا تنتهي على كل تعريف، لأنه لم يحقق التصور المجرد لماهية أو حقيقة المعرف، ولو كان كائنا مدركا بالحس في عالم الشهادة، وإنما غايته، أو هكذا يفترض في البحث العلمي الصحيح، أن يحصل التمايز بين الأنواع المختلفة، بأي طريقة صحيحة، دون حاجة إلى تجريد الماهيات في الذهن بتعريفات عقلية معقدة. فذلك مما ابتلي به العقل المسلم لما باشر العلوم العقلية البونانية التي تميزت بالتجريد النظري دون أن يكون لها كبير أثر في عالم الحس التجريبي ميدان العقل الرحب فما ركب العقل في الإنسان إلا ليتأمله ويتدبر آياته الكونية في معرض الاستدلال لمسألة التوحيد، ويكتشف سننه وينتفع بقواه التي أودعها الله، عز وجل، فيه، فتلك وظيفة العقل في الإسلام.

ويزداد الأمر تعذرا في الإلهيات فهي أمور غيبية محضة لا تخضع لقانون العقل الذي محل بحثه النافع، كما تقدم، في عالم الشهادة الوجودي لا في عالم الغيب العدمي، وتلك نقطة بارزة يفارق فيها العقل المسلم العقل اليوناني، فإن العقل اليوناني مع تقدمه في التجريبيات الطبيعية وتحقيقه لنتائج بارزة فيها، بالرغم من تقيده في أغلب أطواره بالفلسفة الأفلاطونية والأرسطية الاستنباطية التي تهمل الجانب الاستقرائي للظواهر المشاهدة فتكتفي بالبحث النظري، مع تقدمه في التجريبيات إلا أنه ضل في باب الإلهيات لافتقاره إلى النبوات التي نزلت على الشرق، فلم تحتك أمة اليونان مع أمم الأنبياء لتهذب مقالاتها الوثنية، ولعل ذلك من آثار العنصرية التي يتميز بها العقل الأوروبي في كل أطواره، ولا زالت أوروبا تعاني من آثار ذلك فهي تعتقد، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، مركزيتها الإنسانية والفكرية، فالإنسان الأوروبي يقع على رأس الهرم الإنساني، والعقل الأوروبي يقع على رأس الهرم الفكري، ومستنده في ذلك: هو مستند أمة اليونان: التفوق البارز في الطبيعيات، فمدنية أوروبا الحديثة من جنس مدنية أمة اليونان القديمة، وانحطاط أوروبا الديني الذي خرج عن مقررات الإكليروس الكاثوليكي الكهنوتي إلى مقررات العلمانية الحديثة التي تكاد تكون إلحادية محضة فالدين فيها رسوم بلا حقائق من جنس انحطاط أمة اليونان الوثنية في باب الإلهيات، وانحطاط أوروبا الأخلاقي من جنس انحطاط أخلاق أمة اليونان، ولهم في ابتكار اللذات الجسدية وتناولها باع طويل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير