تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من حقيقة التوحيد]

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 11 - 2009, 09:21 ص]ـ

من كلام بعض الفضلاء المعاصرين في صياغة موجزة لأقوال السلف في مسألة القدرة والحكمة، وعنهما صدرت أفعال الرب، جل وعلا، فهو الذي قدر بحكمته، وخلق بقدرته، فصدرت كلماته الكونية فكان الشيء كما أراد، فالواقع في عالم الشهادة: تأويل المعلوم الأزلي والمكتوب القطعي على الوجه الذي تظهر به كمالات الرب، جل وعلا، من كلام ذلك الفاضل قوله بأن:

ترتيب الله، عز وجل، الأسباب: إظهار لحكمته، وخلقها: إظهار لقدرته، فاجتمع في الفعل الرباني: وصف الجمال إذ الحكمة مما يمدح بكمالها، و: وصف الجلال، إذ القدرة مما يمدح بنفاذها، فبالأولى يكون: التقدير في عالم الغيب، وبالثانية يكون: التنفيذ في عالم الشهادة، فيأتي الواقع المشهود تأويلا للقدر المعدوم، فلما يقع بعد، وإن كان قد فرغ منه وانتهى.

فالأسباب قد أودعت فيها قوى التأثير، فكل يؤدي إلى مسبَّبه، وفق ما قدر الله، عز وجل، بحكمته، فقد جعل الله لكل شيء قدرا، فللطعام قدر من قوى التأثير به يقع الشبع، وللشراب قدر من قوى التأثير به يقع الري، وللنوم قدر من قوى التأثير به تقع راحة الجسد وصيانته، وللدواء قدر من قوى التأثير به يقع الشفاء، إذا أصابت قوى الشفاء فيه قوى المرض فدافعتها وظهرت عليها، على ما اطرد من سنة التدافع فهي تعم: الأديان والأبدان، فيدافع الحق الباطل في الأديان، ويدافع الطعام الجوع، والشراب العطش، والدواء المرض في الأبدان، فبتناول الطعام تعمل القوى الهاضمة، فتستخلص منه جوهر الطاقة اللازمة للعمليات الحيوية داخل الأنسجة والخلايا، وهي ما اصطلح على تسميته بـ: Atp ، وهو مركب فوسفوري غني بالطاقة، أودع الله، عز وجل، فيه قوى نافعة بها تستعين الخلايا على إتمام عملياتها الحيوية هدما وبناء، وفق سنن كونية مطردة، تجري على سنن الحكمة الربانية البالغة، فهذا جانب الحكمة.

وأما جانب القدرة فهو الذي به تخلق الأسباب، وتخلق طاقات الإيجاد للمسبَّبات فيها، وتخلق المسببات عقيب جريان الأسباب على سنن الكون المطرد، فيقع الشبع بسبب الطعام فيخلق الله، عز وجل، الشعور بالامتلاء عقيب تناوله، إذ قد باشر الآكل: السبب، وفق ما سن الله، عز وجل، كونا أو شرعا، فالأمر يعم الكون والشرع معا، فشاء الرب، جل، بقدرته، بعد أن سن وشرع بحكمته، شاء أن يخلق في الآكل الشعور بالشبع، فأذن للقوى الفاعلة في الطعام أن تحدث معلولها من الشبع، فهي العلة والشبع معلولها، وهي: الملزوم والشبع لازمها، فالتلازم بينهما وثيق، ولكنه تلازم لا يكون إلا بالإذن الكوني النافذ. فإذا استهلكت الخلايا رصيدها من جزيئات الطاقة، فاحتاجت إلى جزيئات جديدة، وذلك، أيضا، جار على مقتضى حكمته، عز وجل، إذ الأحكام دائرة مع عللها وجودا وعدما، فتلك أيضا: من الكليات الجامعة في: الأحكام الكونية والشرعية معا فالمقدر لهما واحد فلا يتصور بينهما تعارض، فإذا استهلكت رصيدها فاحتاجت، كان ذلك سببا في حدوث وصف الجوع: ضد وصف الشبع، لتخلف العلة، فإذا باشر المكلف السبب مرة أخرى، تكرر الأمر، فوجد حكم الشبع لوجود علته، فظهر من خلال هذا الاطراد والانعكاس: حكمة الرب، جل وعلا، وقدرته، فما كان للطعام أن يؤثر لولا ما خلق الله، عز وجل، فيه من القوى بقدرته النافذة، وما كان له أن يؤثر لولا ما هيأ الله، عز وجل، بحكمته البالغة من المسالك الدقيقة داخل البدن فبها تستنبط قواه المؤثرة لتنتفع بها الخلايا والأنسجة.

وذلك، كما تقدم، من الكليات الجارية في الشرعيات والحكميات، فإذا وقع التدافع بين الحق والباطل، في ساحات الفكر أو البدن، فذلك جار على مقتضى حكمته، عز وجل، إذ لا يظهر الشيء إلا بضده، فإذا أراد الله، عز وجل، نشر فضيلة الحق المطوية سلط عليه خصومه من المبطلين فأثاروا حوله الشبهات، فألهم الله، عز وجل، فئاما من أهل العلم والحرب ليردوا العدوان بسلاح الحجة والبرهان وسلاح السيف والسنان، ولن يقدروا على ذلك إلا بإقداره لهم، فبالحكمة الكونية تسلط الباطل على الحق، وبالقدرة قام أهل الحق بالدفع عنه بما باشروه بالعقول أو الأبدان من أسباب الانتصار له.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير