تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عن الرضا]

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 11 - 2009, 09:52 ص]ـ

كل عام وأنتم بخير أيها الكرام الأفاضل. تقبل الله منا ومنكم.

عن مقام الرضا يقول ابن تيمية، رحمه الله، في استقامته:

"من لزم ما يرضي الله من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيما إذا قام بواجبها ومستحبها كما أنه من لزم محبوبات الله أحبه الله كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: (من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته ......... ) الحديث". اهـ

ص372، 373.

والرضا على ضربين أشار ابن تيمية، رحمه الله، إلى الأول منهما بقوله:

"الرضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه ويتناول ما أباحه الله من غير تعد إلى المحظور. كما قال تعالى: (والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين). وقال تعالى: (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون) فهذا الرضا واجب.

وكذلك ذم من تركه بقوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) ". اهـ

"الاستقامة"، ص372، 373.

فالأول: الرضا الواجب: وهو الرضا عما يرضى عنه الله، عز وجل، من العلوم القلبية والأقوال اللسانية والأعمال البدنية، فهي شرعه الذي أمر به أمر إيجاب أو استحباب، ويدخل فيه المباح مسامحة، إذ المباح لا ينفك عن نوع إذن بالفعل، وهو قدر مشترك بين الأحكام الثلاثة، فالإذن بالفعل متصور بداهة في الواجب، بل قد تعداه إلى الإيجاب وهو قدر أعلى يشمل الأدنى من الإذن من باب أولى، وكذلك المستحب يشمل الإذن وزيادة الطلب على غير وجه الجزم ففيه الحض على الفعل والترغيب فيه لا على سبيل الإلزام، وذلك أيضا، أعلى من مرتبة الإذن، فيشمله من باب أولى، والإباحة قد شملت الإذن بالفعل مطلقا فلا يتعلق به في نفسه ثواب أو عقاب، وإن تعلق به لغيره، كأن ينوي بالمباح التوسل إلى قربة، بخلاف ما لو قصد التعبد بعين المباح فإن ذلك غير جائز إذ المباح لا يتعبد به فمعنى القربة فيه غير متصور، وذلك الإذن مقابل بالنهي: على وجه الجزم وهو المحرم، أو على غير وجه الجزم وهو المكروه، فتلك قسمة الأحكام التكليفية من جهة الوجود الخارجي، وأما من جهة الوجود القلبي فإنها تنقسم إلى: مراد للرب، جل وعلا، من واجب ومندوب ومباح استعان صاحبه به على إيقاع طاعة واجبة أو مندوبة، فذلك ما يشمله الرضا الواجب، فهو من تمام الولاء والبراء القلبي، فإن من والى أحدا فإنه يرضى لرضاه وبسخط لسخطه، وتلك آية المحنة: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فإن كنتم تحبونه فإنكم لن تحققوا تمام محبته إلا بتمام حب مراضبه وتمام بغض مساخطه، فيفرح العبد إذا حصلت الطاعة ورفعت المعصية، ويغضب إذا رفعت الطاعة ووجدت المعصية فولاؤه دائر وجودا وعدما مع مراضي الرب، جل وعلا، وبراؤه دائر وجودا وعدما مع مساخطه، وكل ذلك لا يكون إلا: إذا اتبعتم من أرسله ببيان محابه لتوالى، ومباغضه لتعادى، فإن ذلك لا يعرف من غير طريق النبوات، فليس لغير الأنبياء عليهم السلام فيه يد، فأخبارهم لا تدرك بالعقل بداهة، فقد جاءوا بجملة من الغيبيات من الإلهيات أشرف العلوم، والسمعيات من أحوال الدار الآخرة متعلق الهمم، وسائر العوالم الغيبية من ملائكة وجان .. فإليها تتشوق الأفهام لما جبلت عليه من حب المعرفة فجاءت النبوات يما يشفي غل البشر من سائر العلوم التي لا تنال بقياس الحس الظاهر، وجاءوا بجملة من الأحكام، عبادات وأخلاق ومعاملات وسياسات، بينت على وجه التفصيل مراضي الرب، جل وعلا، لتمتثل، ومساخطه لتجتنب، فينال العبد من ذلك حب الرب، جل وعلا، مبتغى كل عاقل ومنطوق صاحب كل دعوى، فلزمته إقامة الدليل، ولا يقام دليل صحيح على تلك الدعوى العظيمة إلا من نقل النبوات الصحيح، ولذلك جاء الأمر باتباع النبي فرعا عن اتباع الرب العلي، وجاء الأمر بموالاته موالاة لمن أرسله، فإن حب الفرع مئنة من حب الأصل، وتعظيم المرسَل من تعظيم المرسِل، فغاية ما تدركه العقول في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير