تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن العقل الجمعي]

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 11 - 2009, 08:06 ص]ـ

قصة طريفة: وقعت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، قرأتها في صحيفة "أخبار اليوم" من سنين، تحدث فيها الكاتب عن حرب دارت رحاها بين الهندوراس والسلفادور، وهما دولتان، وإن شئت الدقة فقل: دويلتان من دويلات أمريكا الوسطى الملحقة بأمريكا الجنوبية لكونها لاتينية اللسان.

وكان سبب هذه الحرب هو مباراة التأهل إلى كأس العالم في إسبانيا سنة 1982 م، وشعوب أمريكا الجنوبية كما حكى لي أحد الأصدقاء الفضلاء ممن عايشهم في الولايات المتحدة الأمريكية، شعوب توالي وتعادي على النادي أو المنتخب، وتصل الأزمات الكروية فيها إلى حد الشلل التام للحياة حتى يضطر رئيس الجمهورية إلى التدخل بنفسه لحل إشكال كروي، حفظا للسلم الاجتماعي، كما فعلت رئيسة الأرجنتين في أزمة وقعت قبل أسابيع تأجل بسببها الدوري! في الأرجنتين.

والشاهد أن تلك المبارة قد أدت إلى:

انتحار بنت رئيس السلفادور رميا بالرصاص لما تمكنت هندوراس في مبارة الذهاب من تسجيل هدف في الدقيقة الأخيرة، وجاءت عناوين الصحف ترثي الشهيدة التي رفضت أن ترى بلدها تركع أمام جارتها: الهندوراس فالموت أهون من الهزيمة!.

وتمت تعبئة جماهير السلفادورفي مبارة الإياب للثأر للشهيدة، وتمكنت السلفادور من الثأر بثلاثة أهداف وتأهلت إلى كأس العالم، وإن لم تخني الذاكرة، لقيت أكبر هزيمة في تاريخ تلك المسابقة حتى الآن بعشرة أهداف مقابل هدف من المجر، ولو لم تتأهل لكان أستر لها، ولكن قدر الله وما شاء فعل!.

والإشكال فيما حدث بعد ذلك من مطاردة شعب بأكمله لجماهير دولة مجاورة، فالحدود متصلة، وهي دول أشبه ما تكون بالمحافظات عندنا في مصر، فكأنك ترى أهل محافظة القاهرة على سبيل المثال يطاردون فئة من محافظة القليوبية الواقعة شمال القاهرة، حتى الحدود وربما اقتحموها واحتلوا المحافظة بأكملها!، ولرد العدوان أعلنت حالة التعبئة العامة في جيشي البلدين، وقامت حرب حقيقية لا كروية بين البلدين، ولا أتذكر كم استغرقت وتلك معارك تدل على تدني همم من خاضوها، ولا أدري كيف اتخذت القيادة السياسية والعسكرية في كلا البلدين ذلك القرار ابتداء، وهل اقتنع به الجنود كسبب وجيه يحمل الإنسان على تعريض حياته للخطر وسفك دماء جاره في سبيل الثأر لهزيمة كروية، وهل ارتدوا أثناء المعركة لباسا عسكريا أو فانلات المنتخب؟!.

والعقل الجمعي يلعب دورا كبيرا في صياغة تصورات الجماهير وتحرير معاقد الولاء والبراء عندها، فتكرار الخبر بشكل رتيب، يكون في عقل ووجدان سامعه رصيدا يزداد يوما بعد يوم دون أن يشعر حتى تقع لحظة الحسم، فإذا أراد صاحب فضائية، على سبيل المثال، التربح قبل مباراة فإنه يكلف فريق عمل بهذه المهمة، فيتم الحشد قبل المباراة بفترة كافية، كما حدث أخيرا، فتتلقى الجماهير الخبر ابتداء دون تعصب وإن أبدت به اهتماما ثم يتم التكرار في أوقات لاحقة، فيزداد الرصيد دون أن يشعر صاحبه .......... وهكذا، تماما كما يقع في نوع من التفاعلات الكيميائية البطيئة التي لا ترى نتائجها إلا بعد فترة طويلة، فهي تشبه عملية الطبخ على نار هادئة، فإذا تابعت المطبوخ بلا فصل فإنك لن تشاهد تغيرا ملحوظا، مع أن التغير يحصل وإن لم تر أثره، بدليل أنك لو تركت القدر فترة ثم عدت إليها لوجدت المطبوخ قد نضج، وهكذا يتم طبخ مشاعر الجماهير حتى تحدث التعبئة قبل انطلاق المباراة بساعات فترى دولة بأكملها قد استنفرت قواها المادية والمعنوية لتحقيق حلم التأهل إلى كأس العالم، فالأعلام في كل مكان، وهي معاقد ولاء وبراء في هذه المناسبات القومية بالدرجة الأولى، فبها يتم حل عرى الولاء والبراء الشرعي، دون أن يشعر صاحبها، وذلك من أعظم مفاسد الرابطة القومية في أي مناسبة، وإن كان ذلك يظهر بشكل رئيس في المناسبات الرياضية، والأغاني الوطنية كما قال لي أحد الفضلاء في كل المحطات على غرار ما يحدث في أزمنة الحروب بغض النظر عن حكم الشرع بتحريم المعازف فمحل البحث هنا هو هذا التجييش لهذه الطاقات المعطلة لتستنفذ قواها في هذه المعركة التي تستخدم فيها مصطلحات المعارك والقذائف وخطوط الدفاع والهجوم ومربع العمليات!، ويكفي في بيان فساد ذلك أن تبطن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير