تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[إشراقات في يوم العيد]

ـ[نبراس المعالي]ــــــــ[27 - 11 - 2009, 10:40 م]ـ

كثيرةٌ هي إحباطات الحياة ومشقَّاتها، بعضها يتعلَّق بالأحلام الشخصية التي لم تتحقق بالصورة التي تمنَّاها الإنسان، وبعضُها يتعلق بمشكلاتٍ أكبرَ من حدود الدائرة الشخصية، في إحباطات مرتبطة باستمرار حالة الهزيمة الحضارية التي تحياها الأمة، والضغوط التي تتعرَّض لها، والمحن والابتلاءات التي تقع عليها.

وعندما تحتل الإحباطات مساحةً كبيرة من الحياة، وعندما يعيش الإنسان فترات طويلة من حياته تحت أنواع متعدِّدة من الضغوط، تفتر الهمةُ، وتتراجع الإيجابية، ويحاصَر الإبداع في مساحة ضيقة من اللاشعور، وإذا أردْنا أن نختزل حالة الإنسان المضغوط المحبط في الحياة، فيمكننا القول: إنه يتحوَّل لإنسان على هامش الحياة؛ لذلك جاء الإسلام بعددٍ من المشاريع الحياتية التي تكفل لميزان الإنسان الداخلي أن يتزن، ولا عجب في ذلك؛ فالإسلام دين الله الخاتم، الذي يراعي الفطرةَ الإنسانية، ومن يفهم حقيقةَ الإنسان الداخلية أكثرُ من خالقه؟! {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، فشُرعتْ لنا صلاةٌ تتكرر خمس مرات في اليوم، إذا فُهمتْ على حقيقتها كانتْ قرةَ عين كل إنسان، يستروح بها من قسوة الطريق.

وشُرِعَ لنا في كل أسبوع يومٌ يكون لنا عيدًا، ألا وهو يوم الجمعة، وهو يوم خاص في حياة المسلم، يعيش في أجوائه الروحانية، فيتخفف فيه من كثير من الضغوط، ويشحن طاقتَه النفسية الداخلية، ليس ذلك فحسب؛ فهناك في الإسلام انتفاضتان في السنة على روتين الحياة ورتابتها وصعوباتها؛ أعني العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى، الذي نعيش هذه الأيام أجواءه المباركة، فكيف يعمل العيد في حياة المسلم؟

فرحة واجبة

في مؤتمر حاشدٍ من البهجة، لا بد أن يجتمع أهلُ البلد الممثِّلون للأمة جمعاء، فيخرج الرجال والنساء والصبيان، ولا عذر لأحد في التخلُّف، فحتى المرأة الحائض التي لن تصلي، لا بد أن تخرج، فلا يتركها الإسلامُ فريسةَ المشاعر الحزينة أو الاكتئابية، التي قد تسببها لها الهرمونات في هذه الفترة، يقول أحد علماء النفس المشهورين: "إن علاج الاكتئاب يتلخَّص في ثلاثة أشياء: ضوء، وحركة، وناس"، وهو ما يتوفر في صلاة العيد؛ حيث الخروج للصلاة وقت الضحى، ويفضل الحركة والسير للمصلَّى من اتجاه، والعودة من اتجاه آخر، أما الناس، فهي تحتشد احتشادًا من أجل الصلاة، وتكون الفرصة سانحة لمقابلة أناس ربما لا نلقاهم إلا في العيد.

ومع تَكرار كلمات التكبير ورفع الصوت، يدرك الإنسان كيف أن مشاكله الشخصية صغيرة وتافهة، وأن الله وحده هو القادر على أن يفككها حتى تتلاشى، فلا يبقى في وجدان المسلم إلا الله وحده، وما أحسن ما قيل:

فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاةُ مَرِيرَةٌ وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

فمُرُّ الحياة أن تبتعد عن الخالق العظيم الكبير المتعال، لا في هذه المشكلات التي استغرقتْنا وضيعتْ أعمارَنا.

وعلى مستوى الأمة، تُزلزل كلماتُ التكبير وعيَنا الجمعي المهزوم، وكأننا نسمع لأول مرة قوله - تعالى -: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، فالله أكبر من كيد الأعداء ومؤامراتهم وبروتوكولاتهم، فلا يستوقفنا كيد الأعداء كثيرًا، ويسيطر على أذهاننا، كيف نعتصم نحن بالله؟ كيف يكون (الله أكبر) حقيقة في حياتنا؟ وحين يكون (الله أكبر) حقيقة في حياتنا، فحينئذٍ فقط ننتصر وتنقلب هزيمتنا نصرًا، وذلُّنا عزًّا، وتراجعنا انطلاقًا، وشقوتنا وحزنُنا وإحباطنا فرحةً وسعادة وبهجة، إن الفرحة في العيد مقصودة ومشروعة؛ ففرحة المؤمن هي تقديرٌ وشكر للمنعم على عطائه وكرمِه وجودِه.

إشراقات

وليوم العيد إشراقاتٌ كثيرة، تبعث داخل الإنسان الدفءَ والنور، فلقد حثَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة يوم العيد، حتى النساء كان يذهب إليهن بعد صلاة العيد يعظهن ويحثُّهن على الصدقة.

لا بد أن ننظر للصدقة على أكثر من مستوى، فهي وسيلة هامة لإشباع الحاجات المادية المتفاقمة لدى الفقراء، وتوسعة عليهم في يوم الفرح والسرور، وتزداد الحاجة إليها في عصرنا الحاضر؛ نتيجة نسب الفقر العالية التي تعصف بأمَّتنا، هذا الفقر الذي تمَّ استغلالُه بدهاءٍ في عمليات التنصير اللعينة، التي تجري على قدم وساق في البيئات شديدة الفقر.

أما على مستوى المتصدِّق، فبجانب الثواب الأخروي، المتمثِّل في رفع الدرجات، وتحصيل الحسنات المتضاعفة، وحط الخطايا والذنوب، هناك جانب آخر، فهي تجعل من المسلم المتصدِّق إنسانًا فاعلاً وإيجابيًّا، وبالتالي يخرج من لُجَّة الإحباطات التي تحيطه، فيشعر بهذه الصدقة أنه ملتحم عضويًّا بأمَّته الكبيرة، وأنه جزء من الحل بعد أن كان جزءًا من المشكلة، والمشروع الكبير لن يتحقق بخطوة واحدة كبيرة؛ إنما بمجموعة من الخطوات الصغيرة الجادة المتتابعة، والمسلم المتصدق يشعر أنه بذلك يخطو خطوة على الطريق.

ومن إشراقات يوم العيد:

أنه يوم استرخاء لا عمل فيه؛ بل فيه استمتاعٌ بالمباح الطيِّب، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما اضطجع بعد الصلاة في حالة من الاسترخاء، بينما يستمع إلى أناشيد من شعر الحماسة، وبفضل الله - تعالى - فهناك في المكتبة الإسلامية أناشيدُ رائعةٌ ترفع الهمَّةَ، وتعمل على إثارة الحيوية في النفس، ولها من التأثير ما يتجاوز الخطب الطِّوال.

ومن الأمور المرتبطة بالاسترخاء والتمتع بيوم العيد:

تناوُل الطيِّب من الطعام والشراب بلا إسراف، فثلث الأضحية هو لأهل البيت، فالإسلام دينٌ يوازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح، يدْعو أحيانًا لتقشف الجسد؛ من أجل استعلاء الروح، كما في الصيام، ويدعو في أحيان أخرى لمنح الجسد متعة خاصة، تشبه المكافأة على انصياعه لإشراقات الروح، وتهيئة له في الوقت نفسه لجولة جديدة من جهاد الحياة.

فلنكبِّر الله جميعًا ونحمده على نعمة تجديد الحياة عبر العيد، ولنجعل إشراقاته المضيئة المتعدِّدة تشع في نفس كلٍّ منا.

منقول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير