تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[سائق التاكسي (قصة)،،،]

ـ[العصيماء]ــــــــ[02 - 12 - 2009, 04:00 ص]ـ

[/ URL]

أسبوع كامل مضى ونحن ننتظر ذلك الطائر الخرافي الكبير أن يأتي، ويعيدنا في رحلتنا إلى أرض الوطن، نعد الأيام، دقائق وثوانٍ، تمر بطيئة، وودت لو أنها بيدي، فأديرها كلها في غمضة عين، وأكون هناك، آه على بساط الريح!

ما إن بدأ صديقي يشاورني في ركوب الحافلات التي تنطلق من هنا، وقلت له: إنها سلحفاة، يا رجل، حتى قفز من مقعده صائحًا: "إنها هي، هي"، وتعالت صيحاتنا، والتهبت أكفنا فرحة: الطائرة!

وعندما استوت الطائرة على أجنحة الهواء، مال جاري في المقعد على أذني قائلاً:

وددت لو أن المذيع تكلم بالفصحى، بدلاً من لهجته المحلية، فجرس بعض كلماته مضحك، أما ترى كيف أمال في ذلك الحرف، وغيَّر الآخر؟

قلت: نعم، ملاحظتك في مكانها، ذكَّرتني بأستاذي منذ زمن، كان دائمًا ينبِّه على هذه الظاهرة، ولا يحب الحديث إلا بالفصحى، وحفظت عنه: "اللهجة المحلية تشوه العربية".

سكت الرجل، وكنت قد أمَّلتُ أن يكون قد انتهى من الحديث؛ حتى أرمي وراء ظهري شؤونَ عملي وقضايا اللغة، وأفرِّغ نفسي لأحلام العودة واللقاء، الذي قضيت عامًا كاملاً أنتظره، وأعد نفسي له، فقد كادت شرايين الحياة تجف في عروقي من البعد والفراق.

لكنه تابع:

تعلُّم الفصحى والعناية بها يبدأ من المدرسة، قلت مقاطعًا: والبيت أيضًا.

ولكنه وبدون تعليق، تابع:

والنموذج القادر على ذلك هو المعلم، ليس أي معلم، إنما مَن يحب "العربية" ويعشقها.

وجدت نفسي منساقًا مع الرجل، وأعاد بي الذاكرة إلى الوراء عقدين أو أكثر من الزمن، وقلت: علمني أستاذ، وهو نموذج لهؤلاء المعلمين.

كأني قد لامست شيئًا في أعماق نفسه، فاقترب مني، وأنصت باهتمام، بدا في نظراته كأنه يطلب مني أن أتابع.

قلت: أستاذي، هذا كان يطربك لو استمعت إليه، يختار لنا نصوصًا رصينة لكبار الكتَّاب، قدماء ومحدثين، كلماته تتدفق عذبة بين شفتيه، واضحة الحروف، ناطقة بالحركات، إنها كالموسيقى الآسرة!

اضطربت الطائرة صعودًا وهبوطًا في "مطب جوي"، فقطع الحديث، وشغل كل منا بهواجسه، وجدتها فرصة سانحة، أمَلْتُ مقعدي إلى الخلف، وتناومت؛ لعلي أنام وأستعيد بعض قوتي التي أذهبتها أيام الانتظار المملة الأخيرة.

ترى هل أجد أحدًا في انتظاري؟ كيف صار الصغار؟ أريدهم أن يروني هكذا (قد الدنيا).

نبَّهَني جاري إلى قدوم وجبة الطعام، اعتدلت في جلستي، وأزحت الستارة، نظرت من خلال الزجاج، كان الظلام يبتلع كل ألوان الحياة، وشعرت - وقد ضاعت الشواهد - كأن الطائرة تسافر إلى المجهول، وتضيع في ما لا نهاية، وأني صغير صغير، كقطرة ماء، أو ذرة هباء!

انهمرت الأضواء فجأة فوق رأسي، فأعادتني إلى واقعي، ثم استسلمت لنوم عميق.

مع خيوط الصباح الأولى، تمزَّقتْ غلالة الظلام الرقيقة عن وجه الشمس، التي أطلت من نافذة الكون "ليسفر هذا عن الوجه الذهبي، ويبعث الدفء في أوصالي"، كانت كلماتي تمور في صدري، ويرقص قلبي بين أضلعي.

هبطت الطائرة،

( http://www.majalisna.com/gallery.php)

كان المدرج يجاور حقول القمح،

وقد نضجت سنابله،

وصارت "رموشها" سوداء كحسناء أخذت زينتها،

وغمرها ذلك الكحل الأسود فرحة راقصة،

تشاركني فرحة العودة إلى أرض الوطن.

وضعت نظارتي على عيني، ذات الإطار الأسود الساحر،

[ URL="http://arabsh.com"]

وتفقدت ملابسي وأناقتي، وفي جيب قميصي، هل ما زالت الورقة النقدية الكبيرة ظاهرة تميزها العين؟ كنت أريد أن يعلم مَن يراني أني شخص مهم غير عادي؛ "فالمناظر تعطي الناس دائمًا انطباعًا بالأهمية، وتفرض عليهم نحوك لونًا من السلوك يشبع ما في النفس من ( ... )!

كنت آخرَ مَن خرج من القاعة، فقد تأخَّرتْ (شنطتي) ولا أدري لماذا؟ كأنها حسدتني فرحتي بالوصول، أو أغاظتها تلك النظارةُ السوداء، أو الورقة النقدية، ربما!

انتظرت على الرصيف أنظر يمينًا وشمالاً أستطلع الطريق، "أين السيارات؟ " انقطعت، وأخذت أنظر (الشنطة) أتلهى، وقفت سيارة حذائي تمامًا، لا أدري من أين هبطت.

سألني السائق: إلى أين؟

- إلى " ... ".

- عشرة دنانير.

- كثير يا رجل، معقول من خمسة إلى عشرة؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير