تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الموسيقى الأندلسية]

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 09 - 2009, 06:47 م]ـ

تظاهرات غريبة يشهدها المغرب الإسلامي في شهر رمضان، على حد التعبد بسماع الموسيقى الشرقية الأصيلة!، واعتبار ذلك من مكملات الجو الروحاني الرمضاني، فإقامتها في هذا التوقيت أمر مراد لذاته لزيادة الشحنة الإيمانية على طريقة سماعات أهل الطريق، ولذلك حظيت الموسيقى الأندلسية بعناية كبيرة، فجلها موشحات في المدائح النبوية، لا تخلو من تعد في الأداء وتعد في المعاني، فلا الوسيلة مشروعة ولا الغاية نافعة محمودة، فسير على غير طريقة الوحي، فذلك من الابتداع في الوسيلة، إذ لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن الأعصار الفاضلة تعبد بالنغمات التي تطرب لها النفوس فيتولد من ذلك هيجان الظاهر فيأت صاحبه بحركات مضحكة هي بوصف السفه وخفة العقل أليق.

ولا يجدي الاحتجاج بصحة المقصد عن فاعله شيئا إن كانت الوسيلة على غير منهاج النبوة، فكيف إن كانت الغاية فسادا للقلب، وإن وجد السامع نوع انتفاع عارض بتلذذ بصوت أو نغم، ولو افترض أنه يجد في تلك المدائح مع ما فيها من تعد في اللفظ والمعنى صلاحا لقلبه، لو افترض ذلك جدلا، فإنه ليس أمرا مطردا يقاس عليه بل غايته أن يكون حالا لصاحبه، قد يعذر عليه، إن لم يبلغه تحريمه، وكان ينوي به القربة، فهو معذور بجهله، وليس ذلك حالا كاملا يقتدى به، بل غايته أن يعذر صاحبه، كما تقدم، فإن الجهل بأحكام الشرع مما يعذر به المكلف إن لم يكن إعراضا وصدودا عن الدين بالكلية كمن يقعد عن تعلم أحكام الشرع الواجبة عليه، إعراضا أو تهاونا، مع قدرته على طلبها من مظانها.

وقد عقد ابن تيمية، رحمه الله، فصلا بديعا في حد السماع وما يتعلق به في كتاب: "الاستقامة" الذي خصصه لنقد مسالك أهل الطريق الذين انحرفوا عن جادة أئمة السالكين الأُوَل فوقعوا في بدع من القول والعمل أشبه ما تكون بطرائق النصارى الذين غلبت قواهم العملية قواهم العلمية، فيتألهون ويتخشعون بلا علم صحيح، ولازم ذلك التلبس بما لا يعلمه إلا الله من البدع التي وصلت بهم ووصلت بفئام من غلاة هذه الأمة من الحلولية والاتحادية إلى الكفر الصراح.

ففما جاء في هذا الفصل قوله:

"وقد قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا). فقد أخبر أنه يسأل العبد عن سمعه وبصره وفؤاده ونهاه أن يقول ما ليس له به علم.

وإذا كان السمع والبصر والفؤاد كل ذلك منقسم إلى ما يؤمر به وإلى ما ينهى عنه والعبد مسئول عن ذلك كله كيف يجوز أن يقال كل قول في العالم كان فالعبد محمود على استماعه هذا بمنزلة أن يقال كل مرئي في العالم فالعبد ممدوح على النظر إليه.

(وذلك على حد ما وقع فيه أصحاب مقالة الجبر ومن غلا منهم من الإباحية، إذ سووا بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية فكل ما قدر الله، عز وجل، وقوعه، بإرادته الكونية النافذة، ولو كان سماعات وصورا محرمة فهو مراد له شرعا، فسماعه أو النظر إليه مباح بل هو قربة يثاب فاعلها على حد الندب والاستحباب!).

ولهذا دخل الشيطان من هذين البابين على كثير من النساك فتوسعوا في النظر إلى الصور المنهي عن النظر إليها وفي استماع الأقوال والأصوات التي نهوا عن استماعها ولم يكتف الشيطان بذلك حتى زين لهم أن جعلوا ما نهوا عنه عبادة وقربة وطاعة فلم يحرموا ما حرم الله ورسوله ولم يدينوا دين الحق". اهـ

بتصرف من: "الاستقامة"، ص169.

فعشق الصور المبصرة، وعشق الألحان المطربة، قد سدا منفذي الهدى: البصر والسمع، فالبصر قد تعلق بالصور الفانية على حد العشق، ومفاسده أكثر من أن تحصى، وأعظمها: سبي جند القلب فهي لصورة فانية: أسيرة مكبلة، وبرسم الذل لها خاضعة معبدة قد انصرفت عن المعبود بحق، الذي ليس كمثله شيء في كمال ذاته وأوصافه، فلا يحب لذاته إلا هو، قد انصرفت عمن ذلك وصفه من الكمال لتتعلق بصورة أرضية لو تأمل العاقل أوجه النقص فيها لنفر منها نفور الحمر من القسورة، ولكن الشيطان لبس عليه فزين له من لوصف القبح مقارن، ومن لوصف البلاء صائر، فصورته وإن حسنت في الظاهر مآلها التغير والفساد بتوالي الأيام والسنين الماحيات لكل أثر، المهلكات لكل بدن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير