تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الجمال واللذة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 11 - 2009, 11:28 م]ـ

من الجمال ما هو عام: فهو كسائر الكليات العقلية أو المثل المجردة: أمر يقبل الانقسام فتحته من الأنواع والأفراد ما لا يحصيه إلا الله، عز وجل، فجمال الخَلق أو الصورة، وجمال الخُلق أو الطبع، وجمال في الوجه، وجمال في القلب ......... إلخ.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وأما الجمال الخاص: فهو سبحانه جميل يحب الجمال والجمال الذي للخُلق من العلم والإيمان والتقوى أعظم من الجمال الذي للخَلق وهو الصورة الظاهرة.

وكذلك الجميل من اللباس الظاهر فلباس التقوى أعظم وأكمل وهو يحب الجمال الذي للباس التقوى أعظم مما يحب الجمال الذي للباس الرياش ويحب الجمال الذي للخُلق أعظم مما يحب الجمال الذي للخَلق". اهـ

"الاستقامة"، ص313.

والجمال الخالص في دار الابتلاء: عزيز بل عند التحقيق يكاد يكون معدوما، إذ الدار الأولى قد طبعت على الكدر تحقيقا لمعاني الابتلاء إظهارا لآثار القدرة الربانية والحكمة الإلهية، ولذلك كان الصواب في هذا الباب: النظر بعين الترجيح بين المحاسن والمعائب فذلك نظر أولي الألباب الذين رزقوا سدادا، فلا يحب الشيء من كل وجه إذ لا ينفك عن قبح فيه ولو خفي، فذلك تأويل حكم الرب، جل وعلا، الكوني، في عالم الشهادة بخلق الأعيان ووقوع الأفعال على نحو يظهر به كمال وصف الرب الذاتي والفعلي في مقابل نقص العبد، فلا تنفك ذات العبد عن نقص جبلي وافتقار أصيل إلى الأسباب، فوجوده بسبب، وحفظه وبقاؤه بسبب، وتلفه وفناؤه بسبب ....... إلخ، إذ تلك السنة الكونية النافذة التي أقام الرب، جل وعلا، عليها الكون، فلا يتوصل إلى مسبَّب إلا بمباشرة سببه، وفي المقابل لا يبغض الشيء من كل وجه إذ لا ينفك عن حسن فيه ولو خفي، وليكن الرائد في ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر"، وذلك قانون عام وإن ورد على سبب خاص، فهو جار على المؤمنات وعلى سائر الموجودات، فالحب والبغض علامة حياة القلوب، فهما ترجمان إراداته ميلا إلى محبوب وميلا عن مكروه، فلا تنفك نفس متحركة حساسة، وإن لم تكن عاقلة، عن حب وبغض، وبقدر صحة التصور، تكون صحة الإرادات، فصحة الولاءات، فلا تتشتت قوى القلب بين أولياء، وإنما تتوحد لولي واحد، كل ما عداه له تبع، فولاؤه: أصل، وولاء غيره فرع عنه، وذلك من معاني التوحيد الباطن التي يتفاوت الناس فيها تفاوتا ظاهرا، فإن توحيد الظاهر، وإن كان أصلا في الحكم على الأعيان فهو الدليل على توحيد الباطن، إذ هما من التلازم بمكان، فالباطن أمر خفي لا ينضبط فأقيم الظاهر عليه دليلا وله علة إذ هو وصف ظاهر منضبط يصح تعليق الحكم عليه، وإن تخلفت الحكمة في بعض جزئياته، كمن أظهر خلاف ما يبطن، فإن ذلك، وإن وجد، لا يكون الغالب على حال العباد، فلا يضر تخلف الحكمة فيه، وذلك، أيضا، من صور الترجيح بين المصالح والمفاسد، فإن المصلحة الخالصة في هذا الباب باطراد الحكم في كل الأفراد، يعني: اندثار النفاق، وذلك أمر كان ولا زال في كل عصر ومصر، فيشتد تارة ويضعف تارة تبعا لظهور أعلام الرسالة، فإن هذا التوحيد: يقدر على تحصيله كثير من المكلفين، بخلاف توحيد الباطن، فمتعلقه: أمر دقيق، لا تضبطه قلوب كثيرة فتفوتها منه أجزاء كثيرة ومعان جليلة، وإن كان الظاهر مستقيما، فيكون القلب قد تعلق بحب صورة، ولو مباحة، من زوج أو ولد، على حد قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، فيفسد الباطن بقدر الإفراط في تناول تلك المحبة، إذ تناولها على حد الاعتدال مما يشبع حاجات النفس الفطرية التي لا يكون صلاحها وبقاؤها إلا بتعاطيها، فلا توجد نفس تكره لذة الطعام أو الشراب أو الوطء أو الولد ......... إلخ من الزينة الظاهرة، بخلاف تناولها على حد التفريط لو كانت محرمة فمرتكبها مفرط قل تناوله لها أو كثر فمجرد ولوغه فيها مئنة من تعديه وتفريطه، أو الإفراط، ولو كانت مباحة، فلا ينفك التوسع في المباحات عن قسوة في القلب وجمود في العين وكثافة في الطبع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير