تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الشهادتين]

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 11 - 2009, 01:41 ص]ـ

من مأثور كلام بعض أئمة الطريق، وهو أبو بكر الشبلي، رحمه الله، وهو ممن كان يصيبه نوع وله أوقعه في بعض المزالق اللفظية التي يرجى له مغفرة تبعاتها: من مأثور كلامه حال أذانه لما انتهى إلى الشهادتين:

"لولا أنك أمرتني ما ذكرت معك غيرك". اهـ

وذلك قول يدل على إجحاف صاحبه بمقام النبوة، إذ ظن أن النبوة شريكة الألوهية، شراكة المعبودات مع الرب، جل وعلا، فهي من الأغيار التي ينافي ذكرها جوهر التوحيد!، وتلك غيرة سيئة بل خبيثة لا تحمد، وإن اعتذر لصاحبها لنوع وله أصابه أو فساد تصور للنبوات انتابه فجعلها على حد المناقضة للتوحيد، وهي ما بعثت إلا لتقريره بتفصيل مجمله وإقامة ما اعوج من الفطر التي خرجت عن حده التوحيدي إلى سائر الحدود الشركية، فالغيرة في هذا الباب إنما تكون إذا كان المسلمون قد ساروا على طريقة النصارى في التثليث، فغلوا في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى خلعوا عليه بعض أوصاف الرب، جل وعلا، وهذا أمر قد وقع بالفعل من شرذمة من الغلاة على تفاوت بينهم في ذلك، ولكنهم، لمكان عصمة الأمة من الاجتماع على ضلالة، ليس لهم لسان صدق عند جمهور الأمة، بل هم منبوذون مستترون بمقالتهم فلا يظهرونها لأتباعهم أو مدعويهم مباشرة، وإنما يتسللون إلى عقولهم على وزان ما فعله الباطنية من فتنة ضعاف العقول حتى أخرجوهم عن دين الإسلام، فلكل مدخل يؤتى منه، فمن الناس من يؤتى من قبل عقله فهو حاد الذكاء، قليل الزكاء، لا يعظم النقل، وإن كان له قسط وافر من العقل، وحال اليهود خير شاهد على ذلك فعندهم العلم بلا عمل، وعندهم التصور بلا إرادة، ويحاكيهم في الوصف أساطين الفلاسفة وهم أصحاب عقول بل أصحاب عبقريات تبدت في علوم الطبيعيات ولكنهم لم يعظموا للنقل حرماته، ولم يعرفوا للنبوة قدرها فجهلوا عليها وتعدوا على مقرراتها حتى أتوا عليها بالبطلان في معرض التلفيق بينها وبين الحكمة اليونانية، ومنهم من يؤتى من قبل القلب فهو سريع التأثر، شديد التأله بلا علم، كما كان حال رهبان النصارى الذين غلوا في الجانب العملي، وجفوا في الجانب العلمي، ويحاكيهم في الوصف: أهل الطريق من الإسلاميين، فغلو بلا مستند يجعل الغيرة على التوحيد معهم حميدة، وإن أشركوا، بلسان حالهم بل بلسان مقال بعضهم، مع الله، عز وجل، خير خلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فخلعوا عليه أخص أوصاف الربوبية من العلوم الكونية المقدرة، والحقائق النورانية التي تناقض حقائق الرسل عليهم السلام الطينية، فهم، كغيرهم من البشر من جهة التكوين، وإن فاقوا غيرهم في كمال الخَلْق الظاهر، فلا يبعث الله، عز وجل، بمقتضى حكمته، نبيا دميم الخلقة، أو ناقص التكوين أو قبيح الصوت .......... إلخ من الأعراض المنفرة، وإنما يبعثه على أكمل هيئة وأقوى بنية، ولكنه لا يخرج بذلك عن حد البشرية، وإن كان له من كمالاتها القدح المعلى، وهو مع ذلك له من كمال الخُلق الباطن ما جعله، بمقتضى الاصطفاء الرباني، محلا صالحا لقبول آثار الوحي وحمل علوم الرسالة، فلا يكون النبي جبانا أو بخيلا أو طامعا شرها ............ إلخ من الأوصاف الذميمة التي أجمع عقلاء الأمم على قبحها، فهو أمر مدرك حتى قبل ورود الشرائع بما فطر الله، عز وجل، عليه العقول من معرفة الحسن والقبح، وإن لم يجعل ذلك متعلق التكليف، فلا تكليف إلا برسالة، على حد قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).

فذلك مقام الأنبياء عليهم السلام في الملة الخاتمة والنحلة الكاملة: مقام: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، فذلك قطع لأسباب الغلو، و: (يُوحَى إِلَيَّ): فذلك قطع لأسباب الجفاء، فليسوا سعاة بريد، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، بل هم حملة أنفع العلوم الإلهية والشرعية والحكمية والسياسية والأخلاقية التي تضمنتها الرسالات السماوية، فليس خبرهم كأي خبر، بل هو أصدق الأخبار، وليس حكمهم كأي حكم بل هو أعدل الأحكام، وليست سياساتهم الشرعية كسياسات الملوك الجبرية، وليست أخلاقهم الربانية كأخلاق مدينة أفلاطون الوهمية!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير