هل يجوز للشخص أن يشرك النية في عمل واحد أو لعمل واحد، فمثلاً يكون عليه قضاء يوم من شهر رمضان وجاء عليه يوم وقفة عرفة، فهل يجوز أن ينوي صيام القضاء والنافلة في هذا اليوم وتكون نيته أداء القضاء ونية أخرى للنافلة؟
الجواب: لا حرج أن يصوم يوم عرفة عن القضاء ويجزئه عن القضاء ولكن لا يحص له مع ذلك فضل صوم عرفة، لعدم الدليل على ذلك. لكن الأفضل للإنسان أن يقضي ما عليه من الصوم في غير يوم عرفة، ليجمع بين فضيلتين، فضيلة القضاء، وفضيلة صوم يوم عرفة. [10/ 397 – 398].
فأقول: من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه أيام من رمضان فصيامه صحيح، والمشروع له ألا يؤخر القضاء لأنه لا يدري ما يعرض له من نوائب الدهر، فنفس الإنسان بيد الله لا يدري متى يأتيه أجله المحتوم، فليبادر بالقضاء قبل التطوع، لأن القضاء حق لله تعالى، لا تبرأ به ذمة المسلم، فالأحوط له أن يبادر بالقضاء ثم يتطوع بعد ذلك بما شاء، قال صلى الله عليه وسلم: " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء " [رواه أحمد بسند صحيح] وقال عليه الصلاة والسلام: " فدين الله أحق بالقضاء " [رواه مسلم، انظر مسلم بشرح النووي 7/ 266].
يوم عرفة ويوم الجمعة:إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء يوم جمعة جاز إفراده بالصوم، والنهي الوارد عن إفراد صوم يوم الجمعة بدون سبب ولكونه يوم جمعة، أي تعظيماً له أو ما شابه ذلك، أما من صامه لأمر آخر رغب فيه الشرع وحث عليه فليس بممنوع، بل مشروع ولو أفرده بالصوم، ولو صام يوماً قبله بالنسبة ليوم عرفة كان أفضل، عملاً بالحديثين السابقين، أما صيام يوم بعده فلا يمكن لأن اليوم الذي بعده يوم عيد النحر وهو محرم صيامه لجميع المسلمين حجاجاً كانوا أم غير حجاج لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر " [متفق عليه]، وروى أبو عبيد مولى ابن الأزهر قال: " شهدت العيد مع عمر بن الخطاب، فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب الناس، فقال: إن هذين يومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما؟ يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم " [رواه البخاري ومسلم]، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه.
وقد أجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين، نقل الإجماع عنهم ابن حزم فقال: " وأجمعوا أن صيام يوم الفطر، ويوم النحر لا يجوز: [مراتب الإجماع ص72]. وقال ابن هبيرة: " وأجمعوا على أن يوم العيدين حرام صومهما، وأنهما لا يجزئان إن صامهما لا عن فرض ولا نذر ولا قضاء ولا كفارة ولا تطوع " [الإفصاح 3/ 174]. وقال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه، محرم في التطوع والنذر المطلق، والقضاء والكفارة.
وكذلك لا يجوز صيام التطوع كالاثنين والخميس أو أيام البيض إذا وافقت أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، لحديث نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " [رواه مسلم وغيره]، ولم يرخص في صيامها إلا للحاج المتمتع والقارن الذي لم يجد قيمة الهدي فإنه يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما: " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي " [رواه البخاري] وقولهما لم يرخص القول: للنبي صلى الله عليه وسلم والأمر وعدم الترخيص له بعد الله تبارك وتعالى.
صلاة العيد وصلاة الجمعة:
قال صلى الله عليه وسلم: " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمِّعون "، فالسنة حضور العيد والجمعة معاً في ذلك اليوم، لأنه يوم جمعة فالأفضل حضور الصلاتين جميعاً، هذه هي السنة ويظهر ذلك واضحاً جلياً وظاهراً بيناً في قوله عليه الصلاة والسلام: " وإنا مجمِّعون " أي أنه سيجمع بين حضور الصلاتين، لأن صلاة العيد، فرض كفاية، وقيل فرض عين وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذوات الخدور والحيض بحضور صلاة العيد وأن يجتنبن المصلى فقالوا: هذا دليل على وجوبها على الأعيان، لكن جماهير العلماء على أنها فرض كفاية، لكن أقول: لا ينبغي للمسلم المؤمن الحق الذي يرجو رحمة الله ويخشى عقابه أن يفرط في مثل هذه الشعيرة العظيمة التي هي رمز وشعار من شعارات المسلمين، فهب أنك لم تحضر لصلاة العيد وكانت فرض عين، وسألك الله عن عدم حضورك لها، فيا أخي المسلم ويا أختي المسلمة حافظوا على هذه العبادة العظيمة، واهتموا بها وعظموها بتعظيم الله لها.
فإذا وافق يوم العيد يوم جمعة، فالصحيح أن من حضر صلاة العيد أجزأته من الجمعة فتسقط عنه صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في بيته، أما من فاتته صلاة العيد لعذر من مرض ونحوه فيجب عليه وجوباً أن يصلي الجمعة، وأما إمام الجمعة فتجب في حقه الصلاتين، صلاة العيد، وصلاة الجمعة. لأنها لا تقوم إلا به.
نسأل الله تعالى بفضله ومنه وكرمه أن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح، والعلم النافع، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علماً، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، إنه سبحانه خير مسؤول وخير مأمول، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين.
¥