تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[وعن الجمال والجلال]

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 05 - 2007, 09:19 ص]ـ

الجمال والجلال:

"الجمال" طرف، و "الجلال" طرف، و "الكمال" وسط بينهما.

والكامل يأخذ بالجمال تارة، وبالجلال تارة أخرى، ولكل مقام مقال.

وإنما يقع الخلل في استعمال الجمال في مواضع الجلال، واستعمال الجلال في مواضع الجمال.

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ******* مضر كوضع السيف في موضع الندى.

فلك أن تتخيل مقاتلا يستعمل الجمال في قتاله، فيرق قلبه لعدوه الذي استباح دمه وعرضه وأرضه، ولك أن تتخيل رجلا يستعمل الجلال مع أهله وعشيرته، فيستحل دماءهم ظلما وعدوانا، بتأويل فاسد، فالأول: وقع في التفريط المذموم، والثاني: وقع في الإفراط المذموم.

وشريعة الإسلام بين الأديان في هذا الباب:

وسط بين:

شريعة الجلال اليهودية، التي أنزلها الله، عز وجل، لسياسة قوم تحجرت أفئدتهم وغلظت نفوسهم، ولا يفل الحديد إلا الحديد.

وشريعة الجمال النصرانية، التي أنزلها الله، عز وجل، لسياسة قوم رقت قلوبهم حتى خرجوا عن حد الاعتدال فأصابهم من الميوعة ما أصابهم.

ودين الله وسط بين: الغالي والجافي.

فالمسلم قد جمع بين خيري الفريقين: اليهود والنصارى، فهو لين هين لإخوانه بلا ميوعة أو خلاعة، شديد عزيز على أعدائه بلا ظلم أو تعد: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"ففي شريعته صلى الله عليه وسلم من اللين والعفو والصفح ومكارم الأخلاق أعظم مما في الإنجيل وفيها من الشدة والجهاد وإقامة الحدود على الكفار والمنافقين أعظم مما في التوراة وهذا هو غاية الكمال ولهذا قال بعضهم: بعث موسى بالجلال وبعث عيسى بالجمال وبعث محمد بالكمال).

بتصرف يسير من "الجواب الصحيح(5/ 86).

وعن شريعة الإسلام بين الشريعتين يقول:

"وكذلك في الشرائع كالحلال والحرام فإن اليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم عقوبة لهم وعليهم تشديد في النجاسات يجتنبون أشياء كثيرة طاهرة مع اجتناب النجاسة والنصارى لا يحرمون ما حرمه الله ورسوله بل يستحلون الخبائث ويباشرون النجاسات وكلما كان الراهب أكثر ملابسة للنجاسات والخبائث كان أفضل عندهم والمسلمون أباح الله لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث وهم وسط في سائر الأمور".

"الصفدية(2/ 313).

ومذهب أهل السنة بين النحل، كدين المسلمين بين الملل، فلا إفراط ولا تفريط، فلا هم:

خوارج قساة القلوب يقنطون الناس من رحمة الله، ولا مرجئة يخدعون الناس بالأماني الكاذبة.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وهم وسط في الوعيد بين الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، وبين المرجئة الذين لا يجزمون بتعذيب أحد من فساق الأمة". اهـ

"الصفدية(2/ 313).

ومعلوم أنه لابد أن يعذب بعض مرتكبي الكبائر من هذه الأمة، ممن ماتوا على التوحيد، عذابا غير مؤبد يطهرون به من ذنوبهم، ومن ثم يخرجون إلى جنان الرحمن بشفاعة من يأذن الله، عز وجل، له بالشفاعة، فتحرم أجسادهم على النار إلى الأبد.

ووسطية الأخلاق في الإسلام من الأبواب التي يظهر فيها هذا الأمر جليا:

فأخلاق المسلمين وسط بين الشدة واللين، فأخلاق اليهود: أخلاق مادية نفعية، وأخلاق النصارى: أخلاق معنوية أفلاطونية لا تصلح لسياسة الناس وإقامة الدول.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فصل: للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا ومتى قصرت عنه كان نقصا ومهانة:

فللغضب حد وهو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص وهذا كماله فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل.

وللحرص حد وهو الكفاية في أمور الدنيا وحصول البلاغ منها فمتى نقص من ذلك كان مهانة وإضاعة ومتى زاد عليه كان شرها ورغبة فيما لا تحمد الرغبة فيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير