[الأسماء المستعارة بين المطرقة والسندان]
ـ[صالح السهيمي]ــــــــ[20 - 06 - 2007, 11:31 م]ـ
[الأسماء المستعارة بين المطرقة والسندان]
حين فَكَّرَ الإنسانُ في الكتابةِ منذُ أقدمِ العصورِ كان يرنو إلى إيصالِ صوته إلى الكثير من المتلقين؛ فقد حاولَ منذ القدم على التواصل وما زال يشق طريقه إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها.
ومن خلال التأملِ في ظاهرة التواصل الكتابي ما بين الكتَّاب والناس لاسيما في عصرنا الذي نعيشه نجد أن المعرفة الإنسانية ترتقي إلى سلالم من التطورات المذهلة؛ فنرى أنَّ الإنسان شقَّ طريقه ابتداءً من التعرف على الحبر و الفحم ومرورًا بقلم الرصاص والقلم ... والآلة الكاتبة, إلى أن تعرف على جهاز الحاسب والكمبيوتر؛ ومن ثم اخترق مساحات شاسعة في الانترنت وتعدد طرق الكتابة وتلونت بألوان قد تكون زاهية أو باهتة؛ وتحول الكاتب من كائن ورقي إلى كائن الكتروني. وظلَّ يحرصُ الكثيرُ من الكتَّاب على التواجد الكتابي في " النت" حتى بدت قضية " الأسماء المستعارة" تظهر جلية على السطح, وإن كانت موجودة من قبل؛ غير أن هامش الحرية في " النت " أبرزها وأصبحت ظاهرة تسترعي النظر, وتدعو المتأمل إلى أن يراجع الظاهرة وفق رؤى متعددة, أو زويا مختلفة.
ولعل ظاهرة الأسماء المستعارة أخذت أبعادًا كثيرة تدعو الباحث المتأمل إلى مناقشتها, وتجعله يطرح السؤال الذي يتردد في فم الكثيرين دون أن يجتهدوا في البحث عن إجابة, ومن هذا المنطلق يمكننا أن نراجع الظاهرة عَبْرَ هذه القراءة الثقافية ودون الخوض في تشخيص الظاهرة من خلال أسماء معينة؛ أو الإشارة إلى اسم بعينه؛ بل الأمر يتعدى ذلك ليكون رؤية تحلِّقُ بنا من علٍ تنظر إلى الظاهرة نظرة عامة تتجاوز المحلي إلى العالمي, وتنتقل بنا من الموقع الذي نحن فيه إلى مواقع متعددة ومتنوعة.
فالإنسان حين يلجأ إلى الاسم المستعار يلجأ إليه من أحد أمرين:
إما أن يكون عابثًا أو خائفًا.
والعابث يتصف بالشجاعة أو يدِّعيها, وما بين الادِّعاء والشجاعة لأي عابثٍ في مجال الكتابة بالاسم المستعار مسار تسير فيه الأفكار جامحةً تركضُ في مسافاتٍ مضطربة؛ فهو يحاول أن يطرد الخوف أو يبحث عن حرية عبثه وفق تصورات تنطلق من بلاهة تصب في دائرة العبث؛ وتعود إليه - وفق رؤيته - بهامش من الحرية يرى أنه يظفر بالعديد من الأشياء التي يستطيع أن يخترقها ويتجاوزها في ظل هذا الاسم المستعار.
أما الخائف فيفترض به أن يدع خوفه منذ الآن وأن يحافظ على النعمة التي وفقه الله إليها بأن يترك التطرف الكتابي في شتى صوره إن نزولاً أو ارتفاعًا؛ ويبحث عن الوسط والاتزان قدر الإمكان, وأن يبتعد عن الخوف الذي يعد أهم مثبطات النجاح والإبداع.
فالخوف الذي يستظل بالاسم المستعار مرده إما خوف من المجتمع أو من السلطة أو من أي شيء آخر قد يجعل الإنسان غير مبدع, وغير حضاري, بل الأمر يزداد سوءًا إذا تفشت الأسماء المستعارة في دائرة الثقافة:
وما الذي سيحصل عندما أوقع خاطرة أو شعرا أو مقالة بالاسم الصريح؟
وما الذي تخشاه إن كتبت امرأة متألقة إبداعًا أو رأيًا بقلم حقيقي؟
وما الذي سيجنيه المجتمع من سخرية عابرة؟
وما الذي ....
قد تطول الأسئلة, وتتمدد عبر نوافذ متعددة؛ ولكن سيظل الاسم الصريح يتنفس الهواء النقي ولا يخشَ أبالسة الظلام, وما يدور خلف الكواليس؛ لأنه قرر منذ البدء أن يعيش في النور, ويواجه كل سلطة قد تفرض عليه بقول متزن, وطرح موضوعي إن أراد أن يكون متزنًا في طرحه, متعلمًا مما يوجهه إليه الآخرين.
وتظل أغلب الكائنات الالكترونية التي تمارس العبث والخوف في فعل الكتابة الانترنتية عبر الكثير من المواقع والمنتديات تحت مظلة الاسم المستعار تتراوح بين العبث والخوف مما يولد اهتزازًا نفسيًا ويتلوه اهتزاز ثقافي بداخل الإنسان الذي يتعامل مع الآخرين تحت ذلك الاسم المستعار مرة , ومرات مع أسماء أخرى؛ وربما لجأ البعض إلى زعزعة العواطف والأفكار حين يلجأ إلى الانحراف في طريقة التفكير وينتقل من اسم مذكر إلى اسم مؤنث أو من كبير إلى صغير أو من مثقف إلى رجل "عامّي" يخطئ في الكتابة, وتتعثر به القدم مرات تلو أخرى؛ ليستسهل الفعل الكتابي وطريقة التفكير, والمزالق تفعل به ما تفعل من أجل رغبة عابرة , ونزوة جامحة.
ولعل الكثير والكثير ممن يستظلون بالأسماء المستعارة يقعون بين المطرقة والسندان؛ بل يودُّ بعضهم أنه في حالة الثناء والإعجاب من الآخرين أن لو كتب بالاسم الصريح , وفي الحالة المضادة يلوم نفسه على عدم التجاوب, ويكون من الغباء بمكان لو حمد الله على أن لم يكشف!
وما بين الحالتين الأولى والثانية تهوي به المطرقة من أعلى عليين لتستقر به على رأس السندان , وبالتالي يكون الألم مؤلمًا ومؤثرًا إلى حدّ كبير؛ ولكن ماذا لو مالت المطرقة التي تهوي بسرعة على رأس السندان؟!
ما الذي سيحدث؟
...