"وكان نبينا صلى الله عليه و سلم مبعوثا بأعدل الأمور وأكملها فهو الضحوك القتال وهو نبي الرحمة ونبي الملحمة بل أمته موصوفون بذلك في مثل قوله تعالى: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) ".
"منهاج السنة"، (6/ 138).
فالرحمة: جمال، والملحمة: جلال.
وأما صاحبه الصديق، رضي الله عنه، فقد جمع جمالا في لين طبعه، وجلالا ظهر يوم الردة، فكان الصديق، رضي الله عنه، ذلك الأسيف البكاء، لها، وظهر من جلاله ما ثبت الله، عز وجل، به قلوب الأصحاب رضوان الله عليهم.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وهكذا أبو بكر خليفة رسول الله رضى الله عنه ما زال يستعمل خالدا فى حرب أهل الردة وفي فتوح العراق والشام وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل وقد ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى فلم يعزله من أجلها بل عاتبه عليها لرجحان المصلحة على المفسدة فى بقائه وأن غيره لم يكن يقوم مقامه لأن المتولي الكبير إذا كان خلقه يميل إلى اللين فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ليعتدل الأمر ولهذا كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يؤثر استنابة خالد وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لأن خالدا كان شديدا كعمر ابن الخطاب وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه ليكون أمره معتدلا ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى هو معتدل حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا نبي الرحمة، أنا نبي الملحمة)، وقال: (أنا الضحوك القتال)، وأمته وسط، قال الله تعالى فيهم: (أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا)، وقال تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين).
ولهذا لما تولى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صارا كاملين فى الولاية واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في حياة النبي من لين أحدهما وشدة الآخر حتى قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)، وظهر من أبي بكر من شجاعة القلب في قتال أهل الردة وغيرهم ما برز به على عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين". اهـ
مجموع الفتاوى، (28/ 256، 257).
فخلط النبي صلى الله عليه وسلم جمال أبي بكر بجلال عمر، وخلط أبو بكر جماله بجلال خالد، وخلط عمر جلاله بجمال أبي عبيدة، فحصل الكمال في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وخلافة وزيريه: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وكان عمر، رضي الله عنه، مع جلاله، رقيق القلب، يسمع بكاء صبي، تحمله أمه على الفطام قبل أوانه، لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم، فيصلي الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، ويسلم، ثم يقول: يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين.
ثم يأمر مناديا فينادي: أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، ويكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام.
وأما عثمان، رضي الله عنه، فجماله أشهر من أن يذكر، فهو أشد الأمة حياء، ومع ذلك ظهر من جلاله يوم الدار ما ظهر، فافتدى الأمة بدمه الزكي.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"ومن المعلوم بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء وأصبر الناس على من نال من عرضه وعلى من سعى في دمه فحاصروه وسعوا في قتله وقد عرف إرادتهم لقتله وقد جاءه المسلمون من كل ناحية ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم وهو يأمر الناس بالكف عن القتال ويأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم وروى أنه قال لمماليكه: من كف يده فهو حر، وقيل له: تذهب إلى مكة فقال: لا أكون ممن ألحد في الحرم، فقيل له: تذهب إلى الشام فقال: لا أفارق دار هجرتي فقيل له: فقاتلهم، فقال: لا أكون أول من خلف محمدا في أمته بالسيف. فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين".
"منهاج السنة"، (6/ 286).
ولا يصبر على ما صبر عليه عثمان، رضي الله عنه، إلا رجل أوتي من جلال القلب ما أوتي.
وأما علي، رضي الله عنه، فجلاله أشهر من أن يذكر، وهو القائل: "أما أني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه".
ومن وصف ضرار بن حمزة لأبي الحسن رضي الله عنه:
"كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله".
فهو قريب من القلب لجماله، مهيب لجلاله، لا يطمع القوي في باطله لجلاله، ولا ييأس الضعيف من عدله لجماله.
وبمثل هؤلاء قام دين الله، عز وجل، ودانت أمم الشرق والغرب لأمة الإسلام!!!!
والله أعلى وأعلم.
¥