• لقد تتبعت الإنسان من المهد إلى اللحد فلم أجد في ذلك ما يمنح السعادة. إن قلبي يتعذب حين أرى خطيئات الناس. إنهم يتحدثون عن الفضيلة والله, ومع هذا لا يفعلون شيئا. أريد أن أساعدهم , ولكن ... قلائل لأولئك الذين يملكون من الذكاء المشرق ما يتيح لهم أن يتبينوا حقيقة كلماتي.
• وكتب إلى صديقه بوغودين: لماذا تسألني ماذا أكتب, وماذا أعد, وماذا في حقيبتي؟ إنك لا تقدر خطورة هذا السؤال. لم اعد قادرا على تحمل جو موسكو وأشتغل. إنك أشبه بالطبيب الجراح الذي يغرز السكين الجهنمية في جرح مفتوح ويستمتع بآلام مريضه. ثم كتب له أيضا: اعتليت المنبر دون أن يفهمني أحد. ونزلت عنه غير مفهوم.
• وكتب إلى صديقه دانيلفسكي: لا تقحم نفسك في تجريب قواك في المجال التربوي. إنه لا يوافقك البتة. إنني أخطأت كثيرا عندما سلكت هذا السبيل.
• وكتب إلى الشاعر جوكونسكي: إن ما تتميز به أعمالي عن آثار الكتاب الآخرين, هو أن الجميع يستطيعون أن يحكموا عليها, جميع القراء دون استثناء, ذلك أن هدفي من هذه الأعمال حياة جميع الأنام وجميع الناس. وكتب له أيضا: ما من شيء عندي أثمن من أن معرفة أخطائي ومظاهر ضعفي. وبذلك يصبح الإنسان متفوقا على نفسه.
في خريف عام 1828م, رحل إلى بطرسبرغ وأكتشف هنالك افتقار الأدب الروسي إلى الأجواء التي يمثلها الشعب الأوكراني في تقاليده وأساطيره وقصصه وأغانيه وفنونه. فنشر مخطوطة من الشعر القصصي باسم مستعار (ف ــ أفلوف) متوقعا أن تحدث ضجة. وفوجي بأنها لم تلق أي اهتمام, وكتب عنها أثنين من النقاد المرموقين: " متأدب ناشئ لا يجيد كتابة الشعر". وكانت صدمة عنيفة مست كبريائه في الصميم. فأستعاد جميع النسخ وحرقها. وأتيح له العمل موظف حكومي براتب ضئيل. وعام 1832م نشر كتابه (سهرات الضيعة) فكان من الأحداث الخارقة في تاريخ الأدب الروسي. وكان غوغول معجبا ببوشكين إلى حد العبادة ويكن له المحبة والثقة والاحترام. وقد التقى به في سهرات كان يرعاها شقيق الإمبراطور. وساءه أن يرى بوشكين يقضي الكثير من أوقاته في لعب الورق وشرب الخمر. إلا أن الصداقة توطدت بينهما. ثم أنتقل غوغول بعمله إلى المعهد الوطني لدراسة التاريخ بتكليف من الإمبراطورة التي كانت تبدي إعجابها بشخصيته الموهوبة الهادئة. ورغم أنه كان في غمرة من والكبرياء والزهو والاعتداد بالنفس, إلا انه بدأ السأم بدأ يتسرب إلى حياته, وأصبح أكثر ميلا إلى العزلة والتواضع. وبدأ يشعر بالحنين إلى ذويه. فالشهرة والاستقرار المادي, لم يبعثا في حياته إلا القليل من الطمأنينة. ولذلك عاش في تقشف وزهد. وبعد شعور من هذه المعاناة التي كان غوغول يدعوها بالكارثة في حياته التي يشعر بأنه أصبح عاجز عن العطاء. شرع في كتابة مجموعته القصصية الثانية (ميغورود). إلا أنه كان يعتبر التاريخ العام هو الشيء الأساسي , وما عداه لا أهمية له. ولذلك صمم على تدريس التاريخ. فطلب من صديقه ماكسيموفيتش الذي يدرس علم النبات في جامعة موسكو, أن يعمل على تعيينه مدرسا للتاريخ في جامعة كييف. فكان له ما أراد لأن شهرته طارت في الآفاق. وخريف 1834م ألقى أول محاضرة كانت مثارا للدهشة والإعجاب. ولكن رغم بلاغته في الأداء, وحرارة عباراته, غير أن محاضراته التالية بدأت تفقد تأثيرها. ومع هذا دعا بوشكين إلى حضور إحدى محاضراته وكانت عن الخليفة المأمون وعصره.,فحاز على إعجاب بوشكين الذي وجد فيه معلما نموذجيا للتاريخ. ومع هذا فغوغول بدأ يسأم من مهمته ويتذرع بالمرض إلى أن علقت الجامعة محاضراته في نهاية عام 1835م. لكن خلال هذه الأعوام الثلاثة المضطربة من حياته (1832ـــ1835). أنجز عددا من القصص الرائعة. كروايته (تاراس بولبا) و (زخارف عربية) و (ميغورود) و (اللوحة) و (المعطف). حتى أن تورجينيف قال عبارته المشهورة: أننا خرجنا جميعا (ويعني إياه, و غونتشارون, و يسيكس, و ديستويفسكي, و تولستوي) من معطف غوغول. وكان بوشكين يردد أمام زواره عبارة ويقصد فيه غوغول: يجب أن تكونوا حذرين مع هذا الروسي الصغير. إنه يسلبكم حقيبتكم بسرعة, حتى أنكم لا تجدون وقتا لطلب النجدة.
¥