فأسأل الله جل وعلا أن يجعل عملي وعملكم خالصا وأن يجعل ما سبق من أعمالنا مقبولا، وأن يبارك في قليلها وأن يعظم أجرنا فيها.
كما نسأله سبحانه أن يقينا العِثَار في ما نستقبل من أعمارنا، وأن يجعلنا من أهل الثبات على القول الحق والعمل الصائب إنه سبحانه جواد كريم.
ثم إنه كما جرت العادة في فاتحة هذه الدروس نطرح مسألة من المسائل التي تهمّ طالب العلم، والعلم بها لابد منه لمن يعاني طلب العلم ويعاني البحث ويعاني النظر في كلام أهل العلم المتقدمين منهم والمتأخرين.
فقد ذكرنا جملة من المسائل التي يهتم بها طالب العلم، وسنح في البال أن نتكلم الليلة عن مسألة مهمة في هذا المجال ألا وهي: طالب العلم والبحث.
وقد ذكرنا لكم فيما سبق في هذه الكلمات أنّ طالب العلم لابد له أن يجمع ما بين ثلاثة أشياء:
• ما بين تلقي العلم عن الأشياخ الذين ينفعونه.
• والثاني الإطلاع والقراءة والتوسع في المطالعة.
• والثالث في البحث؛ بحث المسائل وتحريرها والنظر في كلام أهل العلم فيها باحثا مدوِّنا كاتبا ما يصل إليه في بحثه.
وقد ذكرنا المسألتين الأوليين:
طالب العلم والقراءة على الأشياخ، ومنهجية في الطلب، وكيف يتعامل مع المشايخ، وأشباه ذلك وما يتفرع منها.
وذكرنا أيضا طالب العلم والقراءة وكيف يقرأ كتب أهل العلم، ومنهجية القراءة في كتب أهل العلم، والفرق ما بين كتب الأهل الفقه وكتب أهل الحديث في مقدمة لذلك، إلى أشباه هذه المباحث التي تتصل بهاتين المسألتين.
وبقي أن نذكر شيئا من القول في مسألة طالب العلم والبحث.
والذي دعا إلى ذلك؛ يعني إلى طرح هذا الموضوع شيئان:
الأول: ما ذكرته من أن طالب العلم لابد له أن يبحث، ولا ينبت لطالب العلم ريش لجناحيه يصلح له أن يطير بهما في سماء العلم إلا ببحث، فمن لم يبحث يبقى في العلم ضعيفا.
والأمر الثاني: أن البحث به تتضح المسائل، وبه يتبين طالب العلم معلومات كثيرة متنوعة لم تكن تحصل له بلا بحث.
فكم من معلومات استفدناها من جرَّاء بحث مسألة في اللغة أو بحث تفسير آية أو في بحث موضع حديث، فمرّ معنا أثناء البحث مئات الفوائد المختلفة، وهذه إذا كان طالب العلم صحيح الذهن فإنه يستفيد مما يمر عليه، ولهذا يفضَّل دائما أن يكون البحث لطالب العلم المبتدئ أو لطالب العلم الذي في طريق الطلب دائما يفضَّل أن يعاني البحث وأن لا يرجع دائما إلى الفهارس التي توصله إلى المقصود بأقرب طريق؛ لأن هذه الفهارس إما فهارس كشفية عن طريق المادة، أو عن طريق أول الحديث مثلا، أو عن طريق كلمة في آية إذا كان لا يحفظ القرآن، طيبا يعاني هذه الآية في أي سورة ينظر ويتأمل لأنه سيستفيد من خلال ذلك، هذا الحديث أين أجده في البخاري، موضوع الحديث هل هو في كتاب كذا, في مسلم أين أجده وهكذا.
بمعنى أنه إذا كان ثَمّ وقت لطالب العلم فكلما كان أبعد في بحثه عن الوسائل المساعدة السريعة كالفهارس، فضلا عن السريعة جدا كالكمبيوتر والبرامج الحديثة، كلما كان مستفيدا لمعلومات ومتوسعا فيما لا يتصل ببحثه.
يبحث مسألة في الفقه فيمر على كتاب كامل من كتب الفقه؛ يعني مثلا كتاب البيوع حتى يصل إلى مسألة، من خلال هذا البحث سيمر على المسائل هذه وسيرسخ في ذهنه بعض ما يرسخ، وسيمضي ويعبر بعض ما يعبر لكنه سيستفيد فوائد كثيرة.
لهذا نقول: إنه كأصل عام لطالب العلم مع البحث كلما كان أبعد عمَّا ييسِّر له البحث في مقتبل الطلب ومتوسط الطلب كلما كان أنفع له.
فإذن كمنهجية ابتدائية لا تفرح بسهولة العثور على المسألة في مقتبل أمرك بقدر ما تفرح إذا بحثت عن مسألة وتعبت في البحث حتى وجدتها.
طبعا من المسائل ما هو معروف المكان، أو من الأحاديث ما هو معروف المظنة، لكن منها أحاديث لا تدري أين توجد.
فلا بد أن تبحث وهذا البحث قد يكون عن طريق المعجم المفهرس مثلا في الحديث تبحث عن هذه الكلمة ويخرج لك الباب والكتاب إما في البخاري وإما في مسلم إلى آخره من الكتب والجزء والصفحة في مسند الإمام أحمد إلى آخره هذا متيسر، لكن إذا أردت الفائدة الكبرى لا تعاني ذلك إلا إذا كان عندك متسعا من الوقت؛ بل عاني التعب مثلا تنظر في موضوع الحديث إلى آخره.
هذا كمقدمة مهمة في أنك في بحثك في أي مسألة كلما عانيت أكثر كلما استفدت أكثر.
¥