فإذًا العلماءُ الربانيونَ الذين هم علماءُ الأمة كان لهم اشتغالٌ ببعضِ هذه العلومِ؛ لأن هذه العلومَ تُورِثُ قُوَّةً في العقلِ.
فمَنْ كان طبيبًا أو مهندسًا أو ما أشبه ذلك، ووُفِّقَ لدراسةِ العلمِ الشرعيِّ فهو من أصحاب الهمم العالية.
على قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تَأْتِي العَزَائِمُ
وتأتي على قَدْرِ الكِرَامِ المَكارِمُ ومن عجائب " الشافعيِّ " - رحمه الله - أنه كان يتعاطى علمَ الفراسةِ.
والفراسةُ - كما هو معلومٌ - ثلاثةُ أقسامٍ:
(1) فراسةٌ إيمانيةٌ.
(2) وفراسةٌ رياضيةٌ.
(3) وفراسةٌ طبيعيةٌ.
تَعْلَمُونَها في العقيدة ().
والمقصودُ منها الفراسةُ الطبيعيةُ، التي يستدل بها من الشكل، كشكل الوجه، على بعض ما خَفِيَ من الصفات.
يقول مثلاً: هذا عيناه حادتانِ، وهو دليلٌ على قوة الذكاء.
وهذا عيناه باردتانِ، وهو دليلٌ على الغباء.وهذا مِشْيَتُهُ تدلُّ على أنه مستعجلٌ في أموره.
وهذا شكل جبهته تدلُّ على كذا.
يقول هذا عن طريقِ الفراسةِ من دونِ أن يكون قد خالط هؤلاء.
وهذا العلمُ موجودٌ قديمًا في الناس، ومنه ما هو صوابٌ ومنه ما هو غَلَطٌ.
و " الشافعيُّ " – رحمه الله - تعاطاه.
قال: " خَرَجْتُ إلى اليَمَنِ في طلب كتُبِ الفراسةِ، حتى كَتَبْتُها وجَمَعْتُها، ثم لَمَّا حَانَ انْصِرافي، مررتُ على رجلٍ في طريقي، وهو مُحْتَبٍ بِفِنَاءِ دارِه، أزرقُ العينينِ، ناتِئُ الجبهةِ، سِنَاطٌ (). فقلت له: هلْ من مَنْزِلٍ؟ فقال: نعم.
(قال الشافعيُّ): وهذا النعتُ أَخْبَثُ ما يكونُ في الفِراسةِ، فأنْزَلني فرأيْتُ أكْرَمَ رجلٍ. بَعَثَ إليَّ بِعَشَاءٍ وطِيبٍ، وعَلَفٍ لدابَّتِي، وفِراشٍ ولِحافٍ، فجعَلْتُ أَتَقَلَّبُ الليلَ أجمعَ، ما أصْنَعُ بهذه الكُتُبِ؟ إذْ رأيْتُ هذا النعتَ في هذا الرجلِ، فرأيتُ أكرَمَ رجلٍ، فقلت: أَرْمي بهذه الكتبِ.
فلما أْصْبحْتُ قلتُ للغلام: أسْرِجْ، فأسْرَجَ، فَرَكِبْتُ ومررتُ عليه وقلتُ له: إذا قَدِمْتَ مكةَ، ومررتَ بذِي طُوىً () فسلْ عن منْزلِ محمدِ بنِ إدريسَ الشافعيِّ.
فقال لي الرجلُ: أَمَوْلًى لأبيكَ أنا؟! قلتُ: لا.
قالَ: فهلْ كانتْ لك عندي نِعْمَةٌ؟! فقلتُ: لا.
فقال أينَ ما تَكَلَّفْتُ لك البارحةَ؟.
قلت: وما هُوَ؟
قال: اشتريتُ لك طعامًا بدِرْهَمَيْنِ، وإدامًا بكذا، وعِطْرًا بثلاثةِ دراهِمَ وعَلَفًا لدابَّتِكَ. وكِراءُ الفِرَاشِ واللِّحافِ دِرهمانِ.
قال: قلتُ: يا غُلامُ أعطِهِ. فَهَلْ بقي من شيءٍ؟
قال: كِراءُ المنْزلِ، فإنِّي وسَّعْتُ عليك وضَيَّقْتُ على نفسي.
(قال الشافعيُّ) فَغَبَطْتُ نفسي بتلكَ الكُتُبِ.
فقلتُ له بعد ذلك: هل بَقِيَ من شيءٍ؟
قال: اِمْضِ، أخْزَاكَ اللهُ، فما رأيتُ قطُّ شرًّا منكَ ".
هذا أثّر في " الشافعيِّ " – رحمه الله تعالى - حتى إنه كان يسأل إذا أتى له خادمه بطعام: ممن اشتريتَه؟، صِفْه لي. فيقول: صِفَتُه كذا وكذا. فقال: لن آكلَه، هذه أبشع صفة.
اذهبْ به، كلوه أنتم، أو ردُّوه.
فأثَّرت فيه مع أن ذلك غَلَطٌ.
ـ[كريمة المروزية]ــــــــ[13 - 09 - 03, 03:47 ص]ـ
شكر الله لكما وجزاكما خيرا
ـ[الاديب]ــــــــ[13 - 09 - 03, 05:38 م]ـ
من افضل الكتب التي قراتها في علو الهمة كتاب بعنوان علو الهمة للمقدم رائع بمعنى الكلمة وكتاب صفحات من صبر العلماءلابي غدة كما ان هناك اشرطة مفيدة للمنجد حول طلب العلم من افضل ماسمعت وشكرا للاخوة.
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[22 - 12 - 04, 08:47 م]ـ
بارك الله فيكم
أدخلتم السرور علي
ـ[أبو حذيفة الحنبلىّ]ــــــــ[17 - 03 - 05, 01:51 ص]ـ
بارك الله فيكم .. أدخلتم السرور علىّ أنا أيضا ...
و أدخلتم فى نفسى الأمل
يا رب ألهمنى الصبر على دراستى