تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترةٍ من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم. ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عِنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهَّال الناس بما يشبهون، فنعوذ بالله من فتنة المضلين (1).

وصلى الله على البشير النذير، السراج المنير، سيد ولد آدم عليه السلام، المذكور نعته في التوراة والإنجيل، الخاتم لجميع الأنبياء، ذلك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين، وعلى أصحابه المنتخبين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، ورزقنا وإياكم التمسك بطاعته وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه صحابته والتابعون لهم بإحسان، وبما كان عليه الأئمة من علماء المسلمين، وعصمنا وإياكم من الأهواء المضلة، إنه سميع قريب (2)، وبعد:

فلما اقتضت حكمة الله ورحمته إخراج آدم وذريته من الجنة أعاضهم أفضل منها وهو ما أعطاهم من عهده الذي جعله سبباً موصلاً لهم إليه، وطريقاً واضحاً بين الدلالة عليه، من تمسك به فاز واهتدى، ومن أعرض عنه شقى وغوى، ولما كان هذا العهد الكريم والصراط المستقيم والنبأ العظيم لا يوصل إليه أبداً إلا من باب العلم والإرادة، فالإرادة باب الوصول إليه، والعلم مفتاح ذلك الباب المتوقف فتحه عليه. وكمال كل إنسان إنما يتم بهذين النوعين، همة ترقيه وعلم يبصره ويهديه، فإن مراتب السعادة والفلاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين أو من إحداهما، إما أن لا يكون له علم بها فلا يتحرك في طلبها، أو يكون عالماً بها، ولا تنهض همته إليها، فلا يزال في حضيض طبعه محبوساً، وقلبه عن كماله الذي خلق له مصدوداً منكوساً، قد أسام نفسه مع الأنعام راعياً مع الهمل، واستطاب لقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل، لا كمن رفع له علم فشمر إليه وبورك له في تفرده في طريق طلبه، فلزمه واستقام عليه، قد أبت غلبات شوقه إلا الهجرة إلى الله ورسوله، ومقتت نفسه الرفقاء إلا ابن سبيل يرافقه في سبيله. ولما كان كمال الإرادة بحسب كمال مرادها، وشرف العلم تابع لشرف معلومِه، كانت نهاية سعادة العبد الذي لا سعادة له بدونها ولا حياة له إلا بها أن تكون إرادته متعلقة بالمراد الذي لا يبلى ولا يفوت، وعزمات همته مسافرة إلى الحي الذي لا يموت، ولا سبيل له إلى هذا الطلب الأسنى والحظ الأوفى إلا بالعلم الموروث عن عبده ورسوله وخليله وحبيبه الذي بعثه لذلك داعياً وأقامه على هذا الطريق هادياً، وجعله واسطة بينه وبين الأنام، وداعياً لهم بإذنه إلى دار السلام (1).

إن حاجة العباد إلى العلم ضرورية فوق حاجة الجسم إلى الغذاء، لأن الجسم يحتاج إلى الغذاء في اليوم مرة أو مرتين، وحاجة الإنسان إلى العلم بعدد الأنفاس، لأن كل نفس من أنفاسه فهو محتاج فيه إلى أن يكون مصاحباً لإيمان أو حكمة، فإن فارقه الإيمان أو الحكمة في نفس من أنفاسه فقد عطب، وقَرُب هلاكه، وليس إلى حصول ذلك سبيل إلا بالعلم، فالحاجة إليه فوق الحاجة إلى الطعام والشراب. (2)

وإن حاجة الأمة الإسلامية إلى قيادات علمية، وإلى بروز علماء ربانيين، يجددوا للأمة دينها، ويسعوا إلى إصلاحها، وإلى إعادتها إلى مجدها التليد، وعزها القديم أعظم الحاجات، فإنك أينما توجهت اليوم تجد كثيراً من جهات العالم الإسلامي توجه على أسس تربوية منحرفة، وإلى طرق وتوجهات فكرية مبتدعة، إلا من رحم الله، وقليل ماهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير