تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه حال الرؤيا فقس عليه حال الكشف إن كان في معناه فأما إن كان دونها فالأمر واضح وتجد في كلام المتصوفة أن الكشف قد يكون حقاً وقد يكون من الشيطان وقد يكون تخيلاً موافقاً لحديث النفس وصرحوا بأنه كثيراً ما يكشف للرجل بما يوافق رأيه حقاً كان أو باطلاً، ولهذا تجد في المتصوفة من ينتسب إلى قول أهل الحديث ويزعم أنه يكشف له بصحة مذهبه وهكذا تجد فيهم الأشعري والمعتزلي والمتفلسف وغيرهم وكل يزعم أنه يكشف له بصحة مذهبه ومخالفة منهم لا يكذبه ولكن يكذب كشفه وقد يكشف لأحدهم بما يوافق مقالات الفرقة التي ينتسب إليها وإن لم يكن قد عرف تلك المقالات من قبل كأنه لحسن ظنه بهم وحرصه على موافقتهم إنما تتجه همته إليهم فيقرأ أفكارهم وترتسم في مخيلته أحوالهم.

فالكشف إذاً تبعاً للهوى فغايته أن يؤيد الهوى ويرسخه في النفس ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار فكأن الساعي في أن يحصل له الكشف إنما يسعى في أن يضله الله عز وجل، ولا ريب أن من التمس الهدى من غير الصراط المستقيم مستحق أن يضله الله عز وجل، وما يزعمه بعض غلاتهم من أن لهم علامات يميزون بها بين ما هو حق من الكشف وما هو باطل دعوى فارغة إلا ما تقدم عن أبي سليمان الداراني وهو أن الحق ما شهد له الكتاب والسنة؛ لكن المقصود الشهادة الصريحة التي يفهمها أهل العلم من الكتاب والسنة بالطريقة التي كان يفهمها بها السلف الصالح.

فأما ما عرف عن المتصوفة من تحريف النصوص بما هو أشنع وأفضع من تحريف الباطنية فهذا لا يشهد لكشفهم؛ بل يشهد عليهم أوضح شهادة بأنه أبطل من الباطل.

أولاً: لأن النصوص بدلالتها المعروفة حجة، فإذا شهدت ببطلان قولهم علم أنه باطل.

ثانياً: لأنهم يعترفون أن الكشف محتاج إلى شهادة الشرع، فإن قبلوا من الكشف تأويل الشرع فالكشف شهد لنفسه، فمن يشهد لنفسه على تأويله.

وأما التحديث والإلهام ففي "صحيح البخاري" وغيره من أحاديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر" وأخرجه مسلم من حديث أبي سلمة عن عائشة وفيه: "فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم" وجاء في عدة روايات تفسير التحديث بالإلهام.

وهذه سيرة عمر بين أيدينا لم يعرف عنه ولا عن أصدق أئمة الصحابة وعلمائهم استدلال بالتحديث والإلهام في القضايا الدينية؛ بل كان يخفى عليهم الحكم فيسألون عنه فيخبرهم إنسان بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصيرون إليه، وكانوا يقولون القول فيخبرهم إنسان عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه فيرجعون إليه.

وأمام الفراسة فإن المتفرس يمكنه أن يشرح لغيره تلك الدلائل التي تنبه لها فإذا شرحها عرفت، فإن كانت مما يعتد به عمل بها، لا بالفراسة). انتهى من القائد لتصحيح العقائد.

أقول:

بعد هذه المقدمة التي تبين شيئاً عن حقيقة الكشف وأنه ليس من الدين في شيء ولا يصلح دليلاً لحقيقة علمية، سنرى وضع البيجوري العجيب وأمره معه الكشف وإلى أي مدى عنده يصلح الكشف دليلاً لإثبات الحقائق العلمية.

يقول البيجوري: بعد أن يذكر طرق النظر الموصلة للحقائق العقدية: (ويقوم مقام ذلك ما لو عرف العقائد بالكشف) "2" ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1070124#_ftn2).

أي أن الكشف يوصلك إلى حقيقة العقائد الإيمانية مع العلم أنه لم يذكر شيئاً عن الكتاب والسنة، وأنهما يصلحان طريقاً للعقائد؛ بل منع تحصيلها بأحاديث الآحاد.

وهنا لابد من تساؤل عن الكشف بأي شيء يحصل: هل هو باستغراق صوفي ضال على طريق متصوفة الهند والعقائد الباطلة يحصل الكشف؟! أم بماذا؟ وخاصة إذا علمنا أن هذا الرجل السالك إلى حقيقة الكشف - كما زعم - ليس لديه عقيدة سليمة حال سلوكه فهذه الأعمال التي توصله إلى الكشف بأي نية يقوم بها وبأي طريق؟

جزماً سيكون الجواب أنه بغيره نية صحيحة، وبغير عمل صالح لأنه بعد لم يصل إلى العقائد الصحيحة كما يزعم.

ونتيجة لذلك، إلى أي عقيدة سيصل هذا السالك؟

قطعاً سيصل إلى عقيدة أبالسة الأرض منذ أن ذرأ الله ذرية آدم ألا وهي وحدة الوجود.

وليس هذا تجني على البيجوري وأمثاله ممن يؤمنون بالكشف طريقاً يوصل إلى المعرفة؛ بل هو يصرح بذلك ويدين نفسه بنفسه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير