تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 - ولم يغب عنهم أحد وجوه تأويله الصحيحة، وإن لم يأت عنهم كل ما يحتمله القرآن من وجوه التأويل لعدم ظهور ما يدعو إليها آنذاك.

3 - والمتأخرون قد يزيدون وجوهًا صحيحة لا تنقض ما كان عليه السلف، وهذه الزيادات قد سار عليها علماء الأمة جيلاً بعد جيل.

4 - أما أن يكون فهم السلف ناقصًا، ولم يقع لهم فهم لجملة من القرآن على وجه صحيح معتبر، وفهمناه نحن المتأخرين فهذا هو محطُّ الإشكال، وهو الذي لا أراه كائنًا.

أما الجزء الأول والجزء الثالث من العبارة، فأتفق معهما، وهما مدار تعقيبي السابق. والخلاف في الثاني والرابع:

أما الثاني فلا أرى داعيا شرعيا أو عقليا للزومه (ولم يغب عنهم أحد وجوه تأويله الصحيحة). كما أنه ليس لدينا أي قدرة لتأكيد ذلك.

وأما الرابع (أما أن يكون فهم السلف ناقصًا، ولم يقع لهم فهم لجملة من القرآن على وجه صحيح معتبر .. ) ففي العبارة أيضا نظر (ويبدو لي أن في شطريها بعض التناقض):

فالقول بوجود أوجه صحيحة معتبرة لم يقلها السلف (أو لم تبلغنا عن السلف) لا يعني بالضرورة أن فهم السلف كان ناقصا. فالمسالة كما ذكرتها في تعقيبي السابق متعلقة أساسا بفهم السلف على مقدار حاجتهم المعرفية، والأدوات المعرفية المتوفرة في عالمهم وعصرهم. وبهذا المقياس لا يمكن وصف فهم السلف بأنه ناقص.

وفعلا: لا يمكن للسلف، في تقديري، أن تمر عليهم جملة من القرآن (دون أن يقع لهم فهمها على وجه صحيح معتبر) بمقدار حاجتهم المعرفية والواقعية. ولكن هل يلزم من هذا أن يكون السلف قد اكتشفوا أو بلّغوا كل الأوجه الصحيحة المعتبرة في فهم كل جملة من القرآن؟

أظن أن تأكيد ذلك أمر لا يمكن الاستدلال عليه.

وأعود لملاحظة إضافية حول عبارة (النقص في الفهم):

فعلا، لا يمكن وصف فهم السلف بالنقص، بل لا شك في أن فهمهم كان كاملا، ولكن بالنظر لحاجتهم وواقعهم.

والإشكال إنما يقع للعصور التالية، ولعصرنا نحن من باب أولى، حين تتوفر أدوات معرفية إضافية وحاجات معرفية جديدة، ثم لا نوظف هذه الأدوات لخدمة تلك الحاجات. فعندها لا شك في أن فهمنا يصبح ناقصا.

ولعل هذا بعض مما يمكن فهمه من الآية الأخيرة من سورة البقرة:

((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))

محبكم.

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[24 Feb 2009, 11:22 م]ـ

قولكم حفظكم الله: (أما الثاني فلا أرى داعيا شرعيا أو عقليا لزومه (ولم يغب عنهم أحد وجوه تأويله الصحيحة). كما أنه ليس لدينا أي قدرة لتأكيد ذلك).

هذا إن كنتم ترونه يصدق عليكم ـ حفظكم الله ـ لعدم ممارستكم علم التفسير. أما أنا فأقول ـ وأعوذ بالله من ذلك ـ إنني قد توصلت إلى هذه بالاستقراء بما لم يدع عندي مجالاً للشك في هذه القضية، وأنا ـ ولله الحمد ـ لم يضق بي درب النظر في أقوالهم بعد أن تدربتُ على كتاب أبي جعفر الطبري وابن عطية وابن تيمية وابن القيم وولي الله الدهلوي وغيرها مما يطول ذكره.

وأقول لك: إن من الخلل الذي أراه عند بعض من يمارس التفسير هو عدم فهمه لوجه تفسير بعض السلف، ولا يدري كيف جاء كلامهم في هذه الآية أو تلك، وتراه يسارع في تضعيف القول أو يعرض عنه فلا يذكره لعدم بصره بصحته من جهة المعنى أو عدم قدرته على ردِّه.

وأقول: لو وضعنا للسلف اعتبارهم في العلم، واجتهدنا في تخريج أقوالهم والاحتجاج لهم كما نفعل في تخريج أقوال من نحب من أشياخنا وأحبابنا لما ضاق بنا فضاء التوجيه لأقوالهم، لكني أرى أن القصور يصيبنا بسبب مقدمات علمية، وقواعد ذهنية قد اصطبغت بعقولنا، ولم نستطع الفكاك منها، فصرنا نحكِّمها على قول من سبقنا، ونلزمهم بما لم يكن لهم به علم، ولا هو من مصطلحاتهم.

ولا زلت أدعو إلى أن نقرأ تفسير السلف، وأن نجتهد في فهمه، وبهذا سيكون عندنا من سعة الأفق ما لايضيق بنا، وسيكون عندنا من المعرفة بكيفية الزيادة على أقوالهم، والتخريج عليها ما يجعل التفسير مجالاً رحبًا يفتح لنا من آفاق المعرفة الشيء الكثير.

لكن الذي أراه في بعض من يتعاطى التفسير عدم اعتداده بقولهم، أو سهولة الاعتراض عليهم فيما وقع عندهم فيه اتفاق أو إجماع، والدعوى عليهم بأنهم بشر غير معصومين، وأننا لسنا ملزمين بفهمهم، وهذه الإطلاقات فيها نظر وتفصيل، ولعلي أبنت عن تلخيص له في المداخلة السابقة، والله الموفق.

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[24 Feb 2009, 11:34 م]ـ

لا أشك في أن كثيرا من الأمور تخفى علي لعدم تخصصي في علم التفسير. وأسأل الله عز وجل أن يغفر لي هذا التقصير.

وأدعو الله لك، مخلصا، بالتوفيق والبركة في الوقت كي تظهر ما خفي من درر السلف (ولا أشك في ضرورة الاهتمام بها والاستفادة منها أكثر). وأنا وأمثالي عالة عليكم في هذا الأمر.

ويبقى الموضوع غير محسوم لدي، ومدعاة للاستمرار في البحث والتأمل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير