تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولم تكن هذه الأنواع على درجة واحدة عند العلماء؛ إذ أن مناسبة المفردات لبعضها قد لاقت اهتماما واسعا عند البلاغيين ودارسي الإعجاز، أما تناسب خواتيم السور مع أوائل التي تليها فقد وجهت له اعتراضات كثيرة، ورغم أنه أضعف ضروب التناسب من جهة وأنه لم يهتم به إلا المتأخرون كابن الزبير وابن الزملكاني و البقاعي والسيوطي من جهة أخرى- إلا أن له ما يبرره كما سيأتي.

تناسب خواتيم السور لأوائل التي تليها:

رغم أن السور تمثل وحدات مستقلة قائمة برأسها ومنفصلة عن بعضها؛ إلا أن بينها نوعاً من التناسب وضربا من الترابط والانسجام؛ وإلا لم يكن لترتيبها على هذا النحو من معنى؛ خاصة وأن هذا الترتيب توقيفي ولم يتأت باجتهاد بشري، ولأجل ذلك يقول ولي الدين الملوي: "وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له "ويقول الزركشي: "وإذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها، ثم هذا التناسب قد يخفي تارة ويظهر تارة " ولكن مع وجود هذا الارتباط فإن الواقع المصحفي يقرر استقلال كل سورة بنفسها؛ ولهذا الانفصال أسباب ذكرها العلماء؛ منها الآتي:

- لتكون كل سورة فنا مستقلاً وقرآناً معتبراً.

- بيان أن كل سورة سواء طالت أو قصرت فهي معجزة

- لكي يرتاح القارئ المطيل ويكون شأنه شأن المسافر الذي يرتاح إذا قطع مرحلة

- لكل سورة غرض خاص ونمط مستقل وموضوع مختلف.

- تلاحق الأشكال والنظائر وملاءمة بعضها لبعض.

ورغم هذا الانفصال – فقد اهتم العلماء ببيان المناسبة بين السور، وكان أبو بكر النيسابوري يذكر هذا النوع ضمن المناسبات التي يذكرها وكان يتسآل بقوله: "ما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ ".

ويذكر العلماء أن أول من أفرد هذا النوع من التناسب بالتصنيف أبو جعفر بن الزبير الأندلسي ت 708هـ صاحب "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن ثم جاء بعده كمال الدين بن الزملكانيت 727 هـ صاحب "البرهان في إعجاز القرآن " الذي اهتم اهتماماً كبيراً بالترتيب المصحفي وبين أسراره يقول: " عند التأمل يظهر أن القرآن كله كالكلمة الواحدة " ثم جاء برهان الدين البقاعي ت 885هـ فألف كتابه "نظم الدور في تناسب الآيات والسور " المشهور بكتاب "المناسبات" ويصف صاحب كشف الظنون الكتاب بقوله: "هو كتاب لم يسبقه إليه أحد جمع فيه من أسرار القرآن ما تتحير منه العقول " ثم جاء جلال الدين السيوطي 911هـ صاحب كتاب "تناسق الدرر في تناسب السور" الذي يقول القنوجي عنه: "كتابه في أسرار التنزيل جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمنه من بيان جميع وجوهـ الإعجاز وأساليب البلاغة "

ورغم الإشادة بهذا النوع من التناسب والتنويه بفضله - إلا أنه قد لاقى من الهجوم ما لم تلاقيه الأنواع الأخرى، وقد ذهب العزّ بن عبد السلام إلى أن هذا التناسب الذي يطلبه العلماء إذا كان بين أمور مختلفة فهو ضرب من التكّلف، ويذكر الشوكاني أن بعض المفسرين قد تكلّفوا وضيّعوا أوقاتهم في مثل هذا النوع من التناسب الذي ما هو إلا تعسّف لا يقبله الإنصاف؛ يقول: " اعلم أن كثيرا من المفسرين جاءوا بعلم متكلّف، وخاضوا في بحر لم يكلّفوه، واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة؛ بل أوقعوا أنفسهم في التكلّم بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلّقة بكتاب الله سبحانه؛ وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف؛ فجاءوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف ويتنزّه عنها كلام البلغاء فضلا عن كلام الرب سبحانه؛ حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف؛ كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدّمه حسبما ذكر في خطبته، وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال ينزل مفرّقا على حسب الحوادث المقتضية لنزوله منذ نزول الوحي على رسول الله ( r) إلى أن قبضه الله عزّ وجلّ إليه، وكل عاقل - فضلا عن عالم - لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية لنزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها؛ بل قد تكون متناقضة؛ كتحريم أمر كان حلالا، وتحليل أمر كان حراما، وإثبات أمر لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله، وتارة يكون الكلام مع المسلمين، وتارة مع الكافرين، وتارة مع من مضي، وتارة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير