الأحرف السبعة ما احتمله الرسم العثماني، فصار عندنا وجوه كثيرة احتملها الرسم العثماني، وصاروا يَقرؤون بهذه الوجوه، وهي قرآن منزل، وتُرِك ما لا يحتمله الرسم العثماني.
هذه الوجوه الكثيرة صاروا يَقرؤون بها فجاء هؤلاء الجبال الأئمة. وسافروا في طلب هذه الأوجه، وتنقلوا وتلقوها وضبطوها، وصاروا يُقرؤون بوجوه يختارونها بناء على أنه اتفق عليها أئمة، وأيضاً لربما أقرأ الواحد منهم بأكثر من وجه. إما لأن هذا أسهل للأخذ عنه، أو أن أهل بلد المتلقي يقرؤون بهذه القراءة .. فهي عند الإمام، فيقرئه بها حتى إذا سافر يقرأ بقراءة أهل بلده، وهي قرآن منزل. ومن هنا تجدون أن الإمام الكبير كنافع يروي عنه رواة كقالون وورش, فهو يُقرئ هؤلاء التلاميذ بوجوه قد ضبطها وأتقنها لمعنى معين… كما سبق، كما يقول الإمام نافع_ رحمه الله_ قرأت على سبعين من التابعين فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما تفرد به واحد تركته، حتى ألَّفت هذه القراءة بهذه الحروف. فصارت له قراءة تنسب إليه مع أنه يضبط القراءة الأخرى, لكنه اختار ذلك لمعنى قام عنده. وهذا معنى الاختيار.
أنواع القراءة:
القسم الأول: المتواترة
القراءة التي يجتمع فيها ثلاثة أركان يُُحكم لها بالتواتر والقبول، فيقرأ بها في الصلاة، ويحكم بقرآنيتها. وهذه الأركان الثلاثة هي التي عبر عنها الشاطبي – رحمه الله - بقوله:
فكل ما وافق وجه نحوي وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسناداً هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيث ما يختل ركن أثبت شذوذه لو أنه في السبعة
فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة كانت القراءة مقبولة، وقيل عنها متواترة، فمثال ما اجتمعت فيه الشروط قراءة (ملك يوم الدين) و (مالك يوم الدين) فالأولى وافقت الرسم العثماني لأنها مكتوبة بدون الألف، و (مالك) وافقته احتمالاً. وكذلك أيضاً (قالوا اتخذ الله ولداً)، (وقالوا اتخذ الله ولداً) نفس الآية بالواو وبغير واو. فهذه توافق الرسم العثماني، فقد فرقها عثمان رضي الله عنه فجعل في مصحف (وقالوا اتخذ الله ولدا) وفي المصحف الآخر (قالوا اتخذ الله ولداً) فصارت إذاً موافقة للرسم في أحد المصاحف.
القسم الثاني: الآحاد وهو ما صح سنده وصح وجهه في العربية، لكنه خالف الرسم العثماني، مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء – رضي الله عنهما - (والذكر والأنثى) في قوله (وما خلق الذكر والأنثى). وهكذا (وكان وراءهم ملك)، (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) فهذه تسمى القراءة الآحادية.
وما عدا ذلك فلا يلتفت إليه مما لا يصح إسناده، أو يخالف العربية أصلاً، كما يقرأ بعضهم (فاليوم ننحيك ببدنك) فهذه لا تثبت ولا يلتفت إليها. وكذلك (لتكون لمن خَلَفَك آية) فهذه أيضاً لا يلتفت إليها. وهكذا (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ) وحاشا الله أن يخشى أحداً من خلقه، فهذه قراءة باطلة.
والمقصود أن بعض العلماء يقسمون القراءات إلى سبعة أقسام، وبعضهم إلى ثلاثة أقسام، لكن يكفيك أن تعرف أن المتواتر الآن عندنا هو العشر، وما صح إسناده واختلّ موافقته العربية بوجه - وإن لم يكن أفصح - فهذا يسمى الآحاد، فهذا لا يقرأ به ولو صح سنده، والراجح أنه ينزل منزله الحديث النبوي، فيستفاد منه ثلاث فوائد:
1 - الفائدة الأولى: يحتجّ به في الأحكام، فنقول (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) يجب التتابع في صوم كفارة اليمن.
2 - يفسّر به القراءة المتواترة .. (حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى صلاة العصر) فهذه مفسرة للقراءة المتواترة.
3 - ويحتج به في العربية.
وبذلك نعلم العلاقة بين الأحرف والقراءات: أن القراءات هي بعض الأحرف السبعة مما احتمله الرسم العثماني فدخل في القراءة التي أمر عثمان بالاقتصار عليها وهي حرف قريش.
*من الفوائد المهمة في هذا الباب
¥