* وقال الحسن: من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله {15}، فاقطعوا سرابيل الجهل عنكم بدفع الحياء في العلم، فإن من رق وجهه، رق علمه. {16}
فالحياء أول موانع السؤال، وكما رأيت أنه ذم في هذا الموضع، ولك في نساء الأنصار - رضي الله عنهن - أسوة وقدوة.
* قالت عائشة – رضي الله عنها -: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. {17}
وذلك لسؤالهن عن ما أشكل عليهن من أمر دينهن.
* وقال الخليل: الجهل منزلة بين الحياء والأنفة. {18}
والأنفة أو الكبر المانع الثاني من السؤال، فلما كانت نفسه عنده أفضل من غيره - لعلو منصب، أو شرف نسب، أو كبر سن - ترك السؤال.
(3)
مانوع سؤالك؟
ومع بيان أهمية السؤال، فقد أدركت يا طالب العلم أنك بحاجة إلى أن تسأل، لكن: ما نوع السؤال الذي ستطرحه؟!
فليس كل سؤال محمودا، لأن هناك من الأسئلة ما تُذَّم ويُذَّم أصحابها.
وليكن سؤالك عما أشكل عليك، وعما ترى أن زملاءك محتاجون إليه لتنفعهم،
* قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه –: ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلساءه {19}،
وإياك ... إياك ... إياك ... أن يكون سؤالك اختبار الشيخ أو امتحانه، فتسيء الأدب معه، وتحرم بركة علمه، أو في أمور لم تحصل فتضيع الوقت فيها، أو لإظهار ما عندك من علم فتشوب نيتك شائبة تقدح في إخلاصك.
(4)
متى تطرح سؤالك؟
وإذا أردت معرفة وقت السؤال فانهل من معين أدب ابن عباس وانظر تخيره وقت المسألة!
* قال ابن عباس: إن كنت لآتي الرجل من أصحاب رسول الله فإذا رأيته نائما لم أوقظه، وإن رأيته مغموما لم أسأله، وإذا رأيته مشغولا لم أسأله. {20}
* وقال أيضا: ... وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله - - عن الحديث فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه، وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي التراب فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله - - ما جاء بك، ألا أرسلت إلي فآتيك فأقول: لا أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث. {21}
لله درك يا بن عباس! أدب وفقه، وفطنة وصبر.
* وقال الخطيب البغدادي: ومن الأدب إذا روى المحدث حديثا فعرض للطالب من خلاله شيء يريد السؤال عنه، أن لا يسأل عنه وهو في تلك الحال بل يصبر حتى ينهي الراوي حديثه ثم يسأل عما عرض له. {22}
* وقال الخطيب أيضا: ولا ينبغي أن يسأله التحديث وهو قائم ولا وهو يمشي، لأن لكل مقام مقالا، وللحديث مواضع مخصوصة دون الطرقات، والأماكن الدنية. {23}
بتوقير العلم نبل القوم، وارتفع شأنهم، وعلا ذكرهم.
* كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يكره أن يسأل وهو يمشي.
قال بشر بن الحارث: سأل رجل ابن المبارك عن حديث – وهو يمشي – فقال: ليس هذا من توقير العلم – قال بشر- فاستحسنه جدا. {24}
- وملخص القول في وقت السؤال:
1 - لا تقاطع شيخك أثناء حديثه، أو شرحه.
2 - لا تسأل شيخك إذا كان مشغول القلب، أو مزدحما بالأعمال، فإن كنت فارغا، فغيرك مشغول.
3 - تجنب السؤال إذا كان الشيخ يمشي توقيرا للعلم.
4 - لا بد من مراعاة الأوقات، فالشيخ بشر يحتاج لوقت الراحة، ولوقت يتزود فيه، فبعض الطلبة لا يهمه إلا أن يجاب سؤاله، فقد يجتمعون على مائدة مع الشيخ فهذا يسأل وذاك يسأل والشيخ يجيب على الكل فمتى يأكل هو؟ أو يتصل في ساعة متأخرة، أو في وقت يكون الشيخ فيه نائما.
5 - تحر وقت نشاطه و تخير الوقت الذي يكون فيه شيخك منشرح الصدر، مرتاح البال، قد أعطى من وقته ساعة للسؤال، وفتح باب المسألة، فهو أجمع لقلب الشيخ، والاستفادة مما عنده.
(5)
كيف تلقي سؤالك؟
لطرح السؤال أدب يراعيه من كان له عقل راجح، وكما قال الشيخ العلامة: السعدي: " أدب العبد عنوان عقله ". {25}
* عن وهب بن منبه وسليمان بن يسار أنهما قالا:"حسن المسألة نصف الإجابة، والرفق نصف العيش". {26}
فإن أحسنت طرح السؤال فلا شك أنك ستجد جوابا، وإن أسأت فلا تأمن الحرمان.
*كان أبوسلمة يسأل ابن عباس فكان يخزن عنه - يحبس عنه بعض الأحاديث -،وكان عبيدالله بن عبدالله يغره غرا.
*وقال أبو سلمة:" لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علما كثيرا". {27}
فارفق بشيخك تظفر بقصدك.
¥