تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الناس في ميزان الولاء والبراء على ثلاثة أصناف، فأهل الإيمان والصلاح يجب علينا أن نحبهم ونواليهم. وأهل الكفر والنفاق يجب بغضهم والبراءة منهم، وأما أصحاب الشائبتين ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فالواجب أن نحبهم ونوليهم لما سهم من إيمان وتقوى وصلاح، وفي الوقت نفسه نبغضهم ونعاديهم لما تلبسوا به من معاصٍ وفجور. وذلك لأن الولاء والبراء من الإيمان، والإيمان عند أهل السنة ليس شيئاً واحداًلا يقبل التبعيض والتجزئة، فهو يتبعض لأنه شعب متعددة كما جاء في حديث الصحيحين في شعب الإيمان "الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة، فإذا تقرر أن الإيمان شعب متعددة ويقبل التجزئة، فإنه يمكن اجتماع إيمان وكفر - غير ناقل عن الملة - في الشخص الواحد ودليله قوله تعالى: ((وإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا .. )) فأثبت الله تعالى لهم وصف الإيمان، مع أنهم متقاتلون، وقتال المسلم كفر كما في الحديث: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، وفي الحديث الآخر يقول -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»، فدل ذلك على اجتماع الإيمان والكفر - الأصغر - في الشخص الواحد.

يقول ابن تيمية:

«أما أئمة السنة والجماعة، فعلى إثبات التبعيض في الاسم والحكم، فيكون مع الرجل بعض الإيمان، لا كله، ويثبت له من حكم أهل الإيمان وثوابهم بحسب ما معه، كما يثبت له من العقاب بحسب ما عليه، وولاية الله بحسب إيمان العبد وتقواه، فيكون مع العبد من ولاية الله بحسب ما معه من الإيمان والتقوى، فإن أولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى: ((أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ)) " (11).

- 6 -

موالاة الكفار ذات شعب متعددة، وصور متنوعة .. وكما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله -: «مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة، منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية .. ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات» (12).

ويقول أيضاً: "ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي وتفسير السنة .. إلى أن قال:» فقوله تعالى: ((ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ .. )) قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة، العامة .. » (13).

فمن شعب موالاة الكفار، التي توجب الخروج من الملة؛ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كما قال سبحانه: ((ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ .. )) [البقرة: 102].

ومنها عدم تكفير الكفار أو التوقف في كفرهم أو الشك فيه، أو تصحيح مذهبهم (14) .. فما بالك بحال من يدافع عنهم ويصفهم بأنهم إخواننا في الإنسانية - إن كانوا ملاحدة أو وثنيين - أو "أشقاؤنا" - إن كانوا يهوداً أو نصارى - فالجميع في زعمهم على ملة إبراهيم عليه السلام!

- 7 -

يقع خلط ولبس أحياناً بين حسن المعاملة مع الكفار - غير الحربيين - وبغض الكفار والبراءة منهم، ويتعين معرفة الفرق بينهما، فحسن التعامل معهم أمر، وأما بغضهم وعداوتهم فأمر آخر، وقد أجاد القرافي في "الفروق" عندما فرّق بينهما قائلاً:

«اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ .. )) الآية، فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى: ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ .. )) فلا بد من الجمع بين هذه النصوص، وأن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وأن التودد والموالاة منهي عنهما .. وسر الفرق أن عقد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير