تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أيّها المؤمنون، بالاستغفارِ تُختَم الأعمال الكبار، وطوبى لمن وجَدَ في صحيفتِه استغفارًا كثيرًا، ومِن علامةِ قَبول الحسنة إتباعُها بالحسنة، لأن مَن قَبِلَه الله وقرَّبه وفَّقه للصّالحاتِ ووقَاه السيّئات، فاحرِص ـ رعاك الله ـ على حِفظِ عَمَلك وصيانة نفسِك، وسدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا وأمّلوا، والإخلاصُ والصوابُ عليهما مدارُ القبول.

جعَلَك الله بالجنّة فائزًا، ولأعلَى الدّرَجات حائزًا، وجَعَلنا وإيّاك ممّن تدعو لهم الملائكةُ بقولِ الله عزّ وجلّ: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:7 - 9].

هذا وصلّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشريّة وأفضل الرسل محمّدِ بنِ عبد الله، فمن صلى عليه صلاة صلّى الله عليه بها عشرًا.

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلَى آل محمّد، كما صلّيتَ على إبراهيم وعلَى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيمَ في العالمين إنّك حميد مجيد ...

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية

لفضيلة الشيخ: صلاح البدير

بتاريخ: 15 - 12 - 1424هـ

وهي بعنوان: ماذا بعد الحج

الحمد لله، الحمد لله الذي عمّت رحمته كل خير ووسعت، وتمّت نعمته على العباد وعظمت، نحمده على نعمٍ توالت علينا واتسعت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما ابتهلت الوفود بالمشاعر العظام ودعت.

أمّا بعد:

فيا أيّها المسلمون، اتّقوا الله فإنَّ تقواه أربحُ بضاعة، واحذروا معصيتَه فقد خاب عبدٌ فرَّط في أمرِ الله وأضاعَه, ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـ?لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

أيّها المسلمون، إنَّ عبادةَ العبد لربّه هي رمزُ خضوعِه ودليلُ صدقِه وعنوان انقيادِه، شرفٌ ظاهر وعِزّ فاخِر. العبوديّة أشرفُ المقامات وأسمى الغايات وأعلى المراتب والدرجات.

أيّها المسلمون، في الأيّام القليلة الخالية قضى الحجّاج عبادةً من أعظم العبادات، وقربةً من أعظم القربات، تجرَّدوا لله من المخيط عند الميقات، وهلَّت دموعُ التّوبة في صعيدِ عرفات على الوجَنات، خجلاً من الهفَوات والعثَرات، وضجَّت بالافتِقار إلى الله كلّ الأصوات بجميع اللُّغات، وازدلفت الأرواح إلى مزدلفةَ للبيات، وزحفت الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطواف بالكعبة المشرَّفة، والسعي بين الصفا والمروة، في رحلةٍ من أروع الرحلات، وسياحةٍ من أجمل السياحات، عادوا بعدَ ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضلِه, قُلْ بِفَضْلِ ?للَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، خيرٌ من الدنيا وأعراضِها وأغراضها التي ما هي إلا طَيف خيال، مصيره الزوالُ والارتحال، ومتاعٌ قليل، عرضةٌ للآفات، وصَدَف للفَوات. فهنيئًا للحجّاج حجُّهم، وللعُبَّاد عبادَتهم واجتهادهم، وهنيئًا لهم قولُ رسول الهدى فيما يرويه عن ربِّه جلّ وعلا: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيتُه هرولة)) أخرجه البخاري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير