"الشرف" .. يااااه! يالطيب مذاقها .. معتّقة هي كالقهوةِ الإيطاليّة الإسبريسو .. لذيذة كرشفات البينا كولادا الاستوائيّةِ .. نقيّة كمياه نورد .. نابضة بالحياة كالحرّية .. دافئة كحضن الأمِّ الحنون .. حالمة كروضةِ التنهاتِ .. فوّاحةٌ كالخُزامى .. هل بقيتْ هذه الكلمة في القاموس بعدُ! .. هل صار لها معنى؟! .. أما زال الجيلُ يحفظُها ويعي معناها .. أيّها الرفيق إن الجيلَ الجديد مدينٌ لك لأنك جدّدت معنى "الشرف" .. وبثثتَ فيه الروحَ .. فانتفضَ تمثال الشمعِ وصارَ مارداً مغادراً قمقمهُ.
باسم الحرّية .. باسم الأمة .. باسم الثورة .. باسم الشعب المغلوب .. باسم الوطن السليب .. باسم الجراح المتقرحة .. باسم الدماء النازفة .. باسم الجموع الثائرة في كتماندو .. في كولومبو .. في هيراري .. في سانتياجو .. في تيرانا .. في ليما .. في كراكاس .. في هافانا .. في الفلّوجة .. في بغداد الرشيد .. بكل اسم مقدّس .. باسم الحذاء .. لا تهم الأسماء .. أين بغداد؟ .. أين الإباء؟ .. أين أحمد .. وإبراهيم .. وبشر .. تغرق بغداد في الظلام .. لينيرها زوج حذاء .. مؤكدة نبوءة الشافعي الخالدة: ما رأيتَ الدنيا ولا رأيتَ الناس.
أيّها الجبناءُ إنَّ الرفاقَ لا يموتون حبطاً .. ولا تخمةً .. ولا في أحضان الغانياتِ .. لا يقع الطعن إلا في نحورهم .. لا يولون الدبرَ! .. أيها الجبناء البرجوازيّونَ .. سكّان القصور الخضراء .. إنَّ مزابل التاريخ تنتظركم .. ومحارق العار ترقبكم .. بلا زوج أحذية هذه المرة .. بل ببصقاتِ الجموع الثائرة.
أسائلك أيّها العزيزُ: هل كنت تعلمُ أنَّ الحذاء طريقٌ مختصرٌ إلى الجنّة؟ .. هل تعرف قصّة البغي أيها الشريفُ الطاهرُ .. تلك التي سقت كلبها بخفّها من البئر فدخلت الجنة وغُفر لها ما كان منها .. يا من سقيتَ أمة بكاملها شراب العزةِ .. ومعنى الإباء .. ونكهة الكرامة .. يا من علمتنا كيف يمحو الحذاء عار الأمة .. ويغسل عنها درنها.
كم أنت شجاعٌ حقّاً .. لقد جعلت أزلام الغدر والخيانةِ يتوارونَ خجلاً خلفَ جدران القصور .. والحدائقِ .. والدخان الأزرقِ .. والقوارير السوداءِ .. وأرتال البغايا .. وغابات السيقان .. وتضاعيف النهـ .... !
هاؤم جاؤوك تترنّح الكأس فوق شفاههم الغليظة قائلين: عيب! .. لا تكملِ الكلمة! .. قفْ! .. حدّك! .. أين كان العيبُ وهم يرونكَ تصرخُ متألّماً من ركلاتِ الجبناءِ .. تنزف دماءً بسخاءٍ لترسم طريقةَ الأنفةِ والشموخِ للجيلِ الصاعدِ .. أين كان العيبُ وهم يرونَ بلادكَ تجوع فيها الحرّة لتأكلَ بثدييها بينما المايباخ والبانوراما مع جلاوزة البلاك ووتر في الظلال الوارفةِ في المنطقة الخضراء تستجيرُ من رمضاءِ بلاد الرافدينِ .. أين كان العيبُ لمّا كانت فضائحُ "أبو غريبٍ" تنثالُ .. وهم صرعى .. سكْرى .. كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ .. ولا ترى لهم من باقية!
هل غضِب عليهم سيّدهم .. بوش .. الذي خاضت بلادهُ 1500 حرب مقدّسةٍ لتطهيرِ البلادِ من الهنود الحمر .. واللاتين البرونز .. والأيرلنديين الصفرِ .. لماذا سمحوا لغربانهم بالنعيق .. وحرموا صدح بلابلنا يا بلبلنا الصدّاح .. لماذا صارت الثورة والنضالُ منقبة لهم .. وسبّة وعاراً علينا .. لماذا صارت نياشين على صدورهم يفخرون بها .. تتوالى ستديوهات هوليود على بث فيلم " brave heart" وهو يصوّر حياة البطل الأسطوري وليم والاس .. ويستولي ميل جبسون بعينيه الزرقاويتين وقوامه المربوع وشعره المتهدّل على قلوب العذارى وهو بأسمالٍ باليّةٍ وأوصال مبضّعةٍ على خشبةِ الإعدامِ صارخاً: FREEDOM!.. لتنهمرَ معها دموع الملايين طرباً وحُزناً وإعظاماً .. بينما صارت البندقيّة في بغداد كأنّها فأر أجربُ .. يحاصرُها كالموت ألف سنّور! .. ويُطاردُها ألف باسل .. وتترصدّها ألف مصيدةٍ .. وصار المناضلُ طريداً .. والمحتلُّ بطلاً مُحرّراً.
أتدري أيّها الرفيق .. لو كنتَ غربياً .. من الأنجلوسكسون .. شبيهاً لتوم كروز .. أو براد بيت .. أو ديفيد بيكهام .. لثارت ثائرة الغربِ .. وانتفضت جموعه .. واحتفت بك جادة بيكادللي .. وساحة قوس النصر .. وملعب النيو كامب .. ولصرتَ اليوم بطلاً في روايةٍ لباولو كويلو .. أو دان براون .. تحلمُ بكَ نساءُ الإفرنج .. وتنتظرك صفحات الـ PLAYBOY .. ولخلّدك العجوز كلينت أستود في رائعة باسمٍ "حذاء المليون دولار" .. لكنّك لستَ هيلاري سوانك .. ولا حتّى العجوز الزنجي مورغان فريمان .. أنتَ عربي وهم بكرامة!
حين تخرسُ البنادق .. وتكلُّ السيوفُ .. وتتعطّلُ القاذفاتُ .. تتحرّكُ الأحذيّةُ .. أيّها الرفيق العزيزُ سأخلعُ قبّعتي .. لن أنحني إعظاماً وإجلالاً فذاك في قاموس الطغاةِ لا الشرفاء .. العزيزُ يخلعُ قبعتهُ .. يطبعُ قبلة .. يُهدي دمعةً .. يمنحُ عُمْراً .. يمحو عاراً .. حتى إن كانت آلته زوجَ حذاءٍ!
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[19 Dec 2008, 10:09 م]ـ
وصلني شعراً:
لدي سؤال بحجم العراق
وطول الفرات ومد النظر
لماذا وأنت سليل النخيل
تهين حذاءك يا منتظر
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لاتلوموا الحذاء إذ لم يصبه
وهو من كف قاذف قد ألحّا
لم يكن يجهل الطريق ولكن
خاف من شؤم وجهه فتنحى
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
رماه فلم يصبه فجاء ثان
فراغ وقد حماه الأشقياء
ولم يك جاهلاً بالرمي لكن
تنزه أن يلامسه الحذاء
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
¥