ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[19 - 04 - 2009, 05:56 م]ـ
(4)
ولم ينته الخلاف عند هذا الحد وإنما استمر في محاولاتهم لإعراب الاسم المرفوع بعد الأداة، فالاسم المرفوع لابد له من رافع. فما هو؟
ذهبوا في تخريجهم إلى ثلاثة مذاهب.
الأول: قول سيبويه: (واعلم أن قولهم في الشعر: إنْ زَيْدٌ يَأتِكَ يَكُنْ كَذا، إنَّما ارتفع على فعل هذا تفسيره، كما كان ذلك في قولك: إنْ زَيْدًا رأيته يكن ذلك، لأنه لا تبدأ بعدها الأسماء ثم يبني عليها) [1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn1).
إذن هو فاعل لفعل مضمر، وقد اشتهر هذا الرأي وتابعه جمهور النحويين من بعده [2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn2)، فكثيرًا ما نصادف هذه الفكرة مصوغة على النحوالتالي: ولابد أن يليها الفعل مظهرًا أو مضمرًا، وذلك في الحديث عن (إنْ) أو (لو) [3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn3).
الثاني: قول الفراء، نجد أن المصادر تنسب إليه وإلى الكوفيين [4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn4) القول بأن الاسم المرفوع بعد الأداة هو فاعل الفعل المظهر، وقد نقلنا آنفا نصا من معاني القرآن يفهم منه القول بذلك [5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn5)، وإنْ يكن النص غير صريح الدلالة، ولكن الفراء أيضا لم يكن ممن ذكروا رفع الاسم بفعل مضمر.
الثالث: قول الأخفش، وهو ما اشتهر من إعرابه الاسم المرفوع بعد الأداة مبتدأ [6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn6)، ولكن ما نجده في كتابه (معاني القرآن) يثبت أمرين: الأول، أنه يذكر إعرابين الأول الابتداء والثاني كونه فاعلا لفعل مضمر، الأمر الثاني ترجيحه للإعراب الثاني ووصفه بأنه أقيس الوجهين، وفيما يلي نص الأخفش:
(وقال (وإنء أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة 6] فابتدأ بعد (إنْ)، وأنْ يكون رفع (أَحدا) على فعل مضمر أقيس الوجهين، لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها إلا أنهم قد قالوا ذلك في (إنْ) لتمكنها، وحسنها إذا وليتها الأسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ، كما قال:
عاوِدْ هَراهَ وإنْ مَعْمورُها خَرِبا
وقال:
لا تَجْزَعِي إنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْتُه وإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ فاجْزَعي
وقد زعموا أنّض قول الشاعر:
أَتَجْزَعُ إنْ نَفْسٌ أَتاها حِمَامُها فَهَلاَّ عَنْ الَّتي بَيْنَ جَنْبَيْكَ تَدْفَعُ
لا ينشد إلا رفعا وقد سقط الفعل على شيءٍ من سببه، وهذا قد ابتديءَ بعد (إنْ) وإنْ شئت جعلته رفعا بفعل مضمر) [7] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn7).
ونجد العكبري ينسب القول بالابتداءِ إلى الكوفيين وهذا ما يفهم من قوله:
((وإنء امْرأة): وامرأة مرفوع بفعل محذوف، أي وإنْ خافت امْرأةٌ، واستغنى عنه بخافت المذكور.
وقال الكوفيون: هو مبتدأ وما بعده الخبر. وهذا عندنا خطأ، لأن حرف الشرط لا معنى له في الاسم فهو مناقض للفعل، ولذلك جاءَ الفعل بعد الاسم مجزوما في قول عدي:
وَمَتَى واغِلٌ يَنُبْهُم يُحَيّوه وَتُعْطَفْ عَلَيْه كَأسُ السَّاقي) [8] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn8)
فهل تأثر بأُستاذه الأنباري الذي ينسب إلى الكوفيين إعراب الاسم بعد إذا لأنه مرفوع بالابتداء؟ [9] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn9).
يستند النحاة في عدم جواز الفصل بين الأداة والفعل إلى حجة من خارج اللغة، إذ يعتمدون على فرض مسبق، وهذا الفرض هو ولاية العامل للمعمول وبشكل أدق – فيما يتعلق بقضيتنا – ولاية الجازم للمجزوم. والمنطلق الوحيد الذي ينطلقون منه هو العمل. من أجل ذلك رأيناهم يقيسون الشرط على تراكيب أخرى كالنفي (بلم) بسبب ما يلاحظ من اشتراك في الإعراب ن منذ كان الإعراب عندهم ظاهرة لفظية فقط. كل ذلك جعلهم يميلون عن جادة الصواب، وذلك أن المنهج العلمي يقتضي أن تعتمد إجازة تركيب ما وعدمه على الاحتكام إلى اللغة نفسها ويتم ذلك بالوسائل العلمية من استقراء وإحصاء وملاحظة دقيقة.
ويمكن أن نلاحظ معهم أن النفي بـ (لم) لم يرد في اللغة أمثلة على فصلها عن الفعل ولكن ذلك لا يعطينا قاعدة شمولية تقول: لا يفصل الجازم عن المجزوم بله العامل عن المعمول، ولكنا نستطيع القول بأنه لا يفصل بين (لم) والفعل.
وهذا الجانب اللفظي من الاعراب وهو الجزم ليس كافيا لعقد نسب بين تركيبين مختلفين.
¥