وهذا لا يدفع أن الملاحظ أن أداة الشرط يليها الفعل في الأغلب، وأن هذا هو الشائع، ولكن هذا لا يمنع وجود تراكيب يلي الأداة فيها الاسم. ولا ينبغي اعتبار هذه التراكيب شاذة أو منحرفة تحتاج إلى إصلاح سواء أكان هذا الاصلاح ذهنيا أو عمليا، بل تغييرات أوجبتها ملابسات، وأسباب خاصة.
وما وجدناه عند سيبويه من احكام يطلقها على التراكيب التي فيها فصل بين الأداة والفعل من مثل: قبيع، وضعيف وقوي، فهذه ألفاظ ليست ذات محتوى دقيق. وهي أيضا تتناول الجانب الشكلي من القضية فالقبيح والضعيف هو ما ابتعد عن التركيب الأساسي من حيث الشكل، أما من حيث المعنى فلا نجد التفاتا إليه، رغم أن أبرز سمة من سمات اللغة هذا الإئتلاف الشديد بين اللفظ والمعنى. وعلى ذلك يجب أن يكون الحكم مؤسسا على الشكل والمعنى معا. فإذا وجدنا أن التغير في التركيب يتبعه تغير في المعنى دون إخلال بالوظيفة التي يؤديها المقول كان التغيير مثمرا.
ولم يسأل النحويون أنفسهم لِمَ حدث هذا التغيير؟ ونضرب مثالا على كيفية مواجهتهم للنصوص، ففي الآية (وإنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأجره) [التوبة 6] لم يحاولوا تلمس الفرق بين التركيبين، التركيب المذكور والتركيب: وإنْ اسْتَجَارَكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكينَ، فعند تأمل التركيبين نجد الأول له دلالة واحدة، والثاني يمكن أن يكون له دلالتان الدلالة الأولى هي دلالة التركيب الأول إلى حدٍّ ما، وهي استجارك مشرك، والدلالة الثانية هي: إنْ طلب أحد من الناس أن تجيره من المشركين. ولا نريد أن ننكر ما للسياق من أثر في تحديد المعنى، ولكن نرى أيضا أن للتقديم هنا فائدة. وقد لا تكون هذه الدلالة هي فقط كل ما هناك، فقد نجد بالتأمل أسبابا أخرى لعل من ذلك أن تقديم الفاعل يعطيه نوعا من الأولوية في التصوير الذهني، وخاصة أن الموضوع يدور حول العلاقة بالمشركين وليس همه الكلام على الاستجاره.
[1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref1) سيبويه، الكتاب 3: 113 – 114.
[2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref2) ذكرنا من تابع سيبويه في دراستنا لولاية الفعل للأداة وذلك في ص 317.
[3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref3) انظر مثال ذلك القيسي، مشكل إعراب القرآن 1: 66.
[4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref4) سيبويه، الكتاب 3: 111 ه (1)، الأنباري، الإنصاف 2: 615.
[5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref5) انظر ص 320 أومعاني القرآن للفراء 1: 422.
[6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref6) انظر في نسبة ذلك إليه الإنصاف للأنباري 2: 616.
[7] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref7) الأخفش، معاني القرآن 217 – 218.
[8] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref8) العكبري، التبيان 1: 395.
[9] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref9) الأنباري، الإنصاف 2: 620.
يتبع
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[19 - 04 - 2009, 05:58 م]ـ
(5)
وما دام الفصل بين الأداة والفعل بالاسم مرفوضا فإن الأمثلة التي وردت احتاجت إلى تخريج، فعمد سيبويه ومن معه من البصريين إلى التقدير، تقدير فعل مضمر ولهذا يعود التركيب كما كان ولوفي الذهن وتسلم القاعدة بلي أعناق النص. وقال الكوفيون بأن الاسم المرفوع فاعل للفعل الذي بعده. ولكن القول بهذا يثير كثيرا من المشاكل عند البصريين، منها الفصل بين الجازم والمجزوم، ومنها أنهم لا يجيزون تقدم الفاعل على الفعل [1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn1)، لأنه لوتقدم صعب عليهم التمييز بين الفاعل والمبتدأ، ذلك أن الجملة المبدوءة باسم هي عندهم جملة إسمية مكونة من مبتدأ وخبر، أي أن:
جاءَ مُحمّدٌ، مُحمّدٌ جاءَ
هما جملتان مختلفان الأولى فعلية، والأخرى اسمية [2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn2). من أجل ذلك يبدوأن القول الثالث وهو إعراب الاسم المرفوع بعد الأداة مبتدأ نوع من المصالحة بين القولين المتقدمين. ولسنا بهذا نرجح هذا المذهب الثالث، لأنه ينطوي على عيب كبير وهو الانتهاء إلى أن جملة الشرط يمكن أن تكون اسمية، وهذا مخالف لطبيعة الجملة الشرطية.
¥