تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيهما: أن يذكَر في الكلام كلمةٌ، ويُراد أحدُ أنواعها؛ أي: أن يذكرَ الجنسُ، ويرادَ نوعٌ منه، أو ما يَجري مَجرَى النوع من المتضمَّنات. وهذا على خلاف الأولِ؛ إذِ المذكورُ فيه اسمٌ لا يُعرَف جنسُه. ومثال هذا الضربِ الثاني قولُ الله تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif واشتعلَ الرأسُ شيبًا http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif ، أرادَ: اشتعلَ شيبُ الرأسِ؛ ولكنَّه ذكرَ (الرأس) مكانَ (الشيب) وهو أعمُّ من (الشيب)، لوجوهٍ من البلاغةِ ليس هذا موضعَ بيانِها. ومن الأمثلة أيضًا قولُهم: (لله درّ زيدٍ فارسًا)؛ إذِ المعنَى: (لله درّ فروسيَّة زيدٍ)؛ فجعلوا (زيدًا) مكانَ (الفروسيَّة)، ليكونَ أوكدَ، وأدخلَ في المبالغة، ثم غيَّروا لفظَ (الفروسيَّة) إلى (فارسٍ)، وجعلوه اسمًا مشتقًّا تجوُّزًا، ودلّوا على النوع المرادِ من طريقِ اللزومِ. وذلكَ ليكونَ جامعًا دلالةَ الحالِ إلى دلالة التمييز. وفي هذا بلاغةُ إيجاز. وقد تفعل العربُ هذا، كما قالوا في (التضمين):

* قد قتل الله زيادًا عنِّي *

فدلُّوا على (القتل) بلفظه، وعلى (الصرف) بالجار، والمجرور.

وجائِزٌ أن تكونَ (فارسًا) حالاً ثابتةً، كقوله تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif شهِد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأُلُو العِلم قائمًا بالقسط http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif .

= فإن قلتَ:

وكيفَ تكون حالاً وهي مضمَّنة معنَى (مِن)؟

قلتُ:

ليس بصحيحٍ أن علامةَ التمييز تضمُّنَه هذا المعنَى؛ وإنما ينحصِر هذا في الضربِ الأوَّل منه، الذي سمَّيناه (تمييز الجنس)، مِن قِبَل أنه جنسٌ لمميَّزه؛ فجازَ أن تدخلَ عليه (مِن) الجنسيَّة. وذلك ممتنعٌ في هذا الضربِ. وأما قولُهم: (لله درُّ زيدٍ من فارس)، فليست (مِن) هذه هي (مِن) التي في قولِك: (عندي درهمٌ مِن فِضَّة)؛ وإنما هي زائِدةٌ للتوكيد. وآية ذلك أنَّ ما بعدَها اسمٌ مشتقٌّ غيرُ جنس، وليس أعمَّ من (زيدٍ).

وهذا الضرب يُسمَّى (تمييز نوع). وهو قياس في ما حُذِف المضاف منه، وأنيب المضاف إليه مُنابَه، وكان المضافُ من أنواع المضاف إليه، أو من متضمَّناته.

=وأما تقسيمهم التمييزَ إلى (تمييز مفرد)، و (تمييز جملة)، فباطلٌ؛ بل التمييز كلُّه (تمييزُ مفرَد)، ثم ينقسِم بعدُ إلى قسمين (تمييز جنس)، و (تمييز نوع). وذلكَ أنّ (المميَّز) إما أن يكونَ اسمًا مبهَمًا وضعًا؛ فتأتي بجنسه بعدَه، ويكونَ (تمييز جنس)، وإما أن يكونَ اسمًا عامًّا؛ فتُنزِله منزلةً من منازل الكلامِ، ثم تأتي بعدَه بأخصَّ منه، لضربٍ من البلاغة.

=فهذا بيانُ حقيقة (التمييز).

=وأمَّا زعمُهم أنَّ التمييز هو ما يؤتَى به لتبيين الذات، وأن الحال ما يؤتَى به لتبيين الهيئة، فتفريق فاسدٌ من وجهين:

أحدُهما: أنَّه غيرُ مبين، من قِبَل أن (الذات)، و (الهيئة) لفظان غير مستقرَّي الدلالة. وكأنهم أرادوا بالذات (الجنس)، و (الهيئة) الحال العارضة.

ثانيهما: أنا إذا فهِمنا (الذات) الفهم السابق، وجدناه منتقِضًا عليهم في (تمييز النوع) جميعِه؛ فإنَّه لم يبيَّن فيه (الجنس) كما مضَى بيانُه.

=وأما زعمهم أنه اسمٌ يؤتَى به لرفع الإبهامِ، ففاسدٌ أيضًا؛ فإنَّ قولك: (ساءني زيدُ) فيه إبهامٌ. ومع ذلكَ إذا قلتَ بعدَه: (لاهيًا)، فإنهم يعربونه حالاً، لا تمييزًا. وهو عندَنا محتملٌ الوجهَين؛ سواء هو وقولهم: (لله درُّه فارسًا).

=وأمَّا تَعدادهم ما ينساق تحتَ التمييز من الأعداد، والمقادير، ونحوها، فإن كانوا يريدون أن هذا هو الأصلُ، وأن المسموعَ من غيره على خلاف الأصل، فغير صواب؛ فإن الاسم لم ينتصب على التمييز لهذه العِلَّة. وذلكَ لتجرُّدها عن المناسبة بينها وبينَ الحُكْم. ولذلك وجدناهم ينصبونَ الاسمَ بعدَ غير الأعداد، والمقادير، ونحوها على التمييز، لمَّا وجدوه مبهَمًا على الصورة التي ذكرنا؛ كما قالوا: (إن لنا غيرَها إبِلاً). فإذا كان ذلك كذلك، عُلِمَ أنَّ انتصابَ الأعدادِ، والمقاديرِ على التمييز كانتصابِ ما سواها، لأنها يشترِكان في العِلَّة التي قدَّمنا بيانها؛ وهي (بيان الجنس)، أو (بيان النوع)، وانتفَى حينَ إذٍ ادِّعاءُ الأصالة لبعضها دونَ بعضٍ.

=وبما مضَى تفصيلُه يَظهرُ أن قولَه: (لما انتهى طبعًا) من (تمييز النوعِ)؛ إذ أصله: (لما انتهَى طبعُ الكتابِ) ثم زحلقُوا المضافَ إلى ما بعدَ المضاف إليه بعد إنابته مُنابَه، ثم أضمروا الفاعلَ لتقدُّم ذكرِه. وهي نظيرة قوله تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif واشتعلَ الرأس شيبًا http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif .

كتبه الشيخ الفاضل النحوي / فيصل بن علي المنصور (أبو قصي) - حفظه الله تعالى -.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير