تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يمكن الجمع بين القولين لأنهما قولان مختلفان لأهل العلم فمنهم من يرى (ضامر) اسما مفردا ولكن لما أضيفت إليه (كل) صار بمعنى ضوامر فصح عود الضمير عليه بالجمع، وابن هشام لم يعترض التخريج من حيث المبدأ، وإنما هو لا يرى (ضامر) مفردا وإنما يراه اسم جمع، ولو كان يراه مفردا لوافقهم في هذا التخريج، ألا ترى أنه يقول:

"والذى يظهر لى خلاف قولهما، وأن المضافة إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى كل واحد وجب الافراد نحو (كل رجل يشبعه رغيف) أو إلى المجموع وجب الجمع كبيت عنترة، فإن المراد أن كل فرد من الاعين جاد، وأن مجموع الاعين تركن، وعلى هذا فتقول (جاد على كل محسن فأغناني)) أو (فأغنوني) بحسب المعنى الذى تريده."

فالعين مفرد في بيت عنترة وابن هشام يجيز عود الضمير بالجمع على اعتبار نسبة الحكم (الترك) إلى مجموع العيون لا أفرادها، أي أن كل عين مفردة جادت، ومجموع العيون تركن، فلو أن ابن هشام يسلم بأن (ضامر) مفرد لانطبق عليه ما انطبق على العين على أساس أن كل ضامر مفرد سيُركَب إلى الحج، وأن مجموع الضوامر سيأتين من كل فج عميق، وعلى هذا يتضح أن ابن هشام إنما يخالفهم في اعتبارهم الضامر مفردا (لأنه يراه اسم جمع) ولا يخالفهم في التخريج لو أن الضامر مفرد وأُريد نسبة الحكم إلى مجموع الأفراد.

السؤال الثاني: أرجو أن توضح لي ما خُط بالأحمر, وأرجو ألا يكون كثيرًا, وأسأل الله لك التوفيق؟

أما الكثرة فهو كثير، ولكن لا أظنك بحاجة إلى شرحه كله لأن معظمه واضح، وهنا أرجو المعذرة إذ سأعيد عليك ما قلته لك غير مرة في السابق، وهو أن تعيد القراءة مع التركيز والموازنة بين الأمثلة والاستعانة بها في فهم المقصود، ومع ذلك سأشرح جل ما لونته على النحو الآتي:

والذى يظهر لى خلاف قولهما، وأن المضافة إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى كل واحد وجب الافراد نحو (كل رجل يشبعه رغيف) أو إلى المجموع وجب الجمع

أي أن الحكم إذا أريد نسبته إلى كل فرد على حدة وجب عود الضمير بالإفراد، ففي قوله (كل رجل يشبعه رغيف) عاد الضمير بالإفراد لأن نسبة الحكم (يشبعه رغيف) إنما هي لكل فرد من الرجال على حدة، لأن الرغيف إنما يشبع الفرد الواحد ولا يشبع مجموع الرجال، أما إذا أريد نسبة الحكم إلى المجموع عاد الضمير بالجمع نحو بيت عنترة الذي تقدم تخريجه، ومثله تخريج عود الضمير بالجمع في الآية (وعلى كل ضامر يأتين) ولكن على رأي من يرى الضامر مفردا، أما على رأي من يراه اسم جمع فلا يدخل في هذه المسألة.

وليس من ذلك (وهمت كل أمة برسولهم لياخذوه) ... ونظيره الجمع في قوله تعالى (أمة قائمة يتلون)

المقصود أن عود الضمير بالجمع في الآية (ليأخذوه) ليس من عود الضمير بالجمع حال إضافة كل إلى المفرد المحض، وإنما عاد الضمير بالجمع مراعاة لمعنى الأمة لأنها تشمل جمعا من الأفراد، واستدل على صحة قوله بآية أخرى (أمة قائمة يتلون) حيث عاد الضمير بالجمع على الأمة مع أنها لم تضف إليها (كل) فدل ذلك على أن معنى الجمع ثابت في كلمة (أمة) بغض النظر عن إضافة (كل) إليها.

وأشكل من الآيتين قوله تعالى (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون) ولو ظفر بها أبو حيان لم يعدل إلى الاعتراض ببيت عنترة. والجواب عنها ...

يقول ابن هشام إن أبا حيان رحمه الله لو أنه اهتدى إلى هذه الآية لاستغنى بها في الاعتراض على كلام ابن مالك ولم يكن بحاجة إلى بيت عنترة لأن هذه الآية من حيث ظاهرها أكثر موافقة لرأي أبي حيان، ثم يوضح ابن هشام أن لا حجة لأبي حيان في هذه الآية حتى لو أنه ظفر بها لأن لها وجها آخر بيَّنه فيما بعد قوله (والجواب عنها) وهو واضح، وبذلك يكون ابن هشام قد وجه شاهد أبي حيان (بيت عنترة) ووجه آيتين أخريين تشبهانه في الصورة قد يحتج بهما من يرى رأي أبي حيان وهما (كل حزب ... ، كل ضامر ... ) ثم وجه هذه الآية التي هي أشكل من كل ما سبق ليصل ابن هشام إلى أن هذا كله ليس فيه حجة قطعية لأبي حيان رحمهما الله.

وإن كانت (كل) مضافة إلى معرفة فقالوا: يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها، نحو (كلهم قائم، أو قائمون) وقد اجتمعتا في قوله تعالى (إن كل من في السموات والارض إلا آتى الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) والصواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردا مذكرا على لفظها نحو (وكلهم آتيه يوم القيامة) الآية

هنا يتكلم ابن هشام على (كل) المضافة إلى المعرفة، فيذكر قول النحاة بجواز مراعاة لفظها أي عود الضمير عليها مفردا مذكرا، أو مراعاة معناها أي بحسب ما أضيفت إليه من حيث التذكير أو التأنيث ومن حيث الإفراد أو التثنية أو الجمع، ثم يذكر رأيه الخاص فيقول إن كل المضافة إلى المعرفة يجب عود الضمير على لفظها فقط، فيكون الضمير مفردا مذكرا دائما، ويستشهد لذلك بالشواهد المذكورة في النص.

أما الجزء الأخير الملون بالأحمر فأراه واضحا، وإني على ثقة بأنك ستدرك مضمونه ببعض التركيز إن شاء الله.

تحياتي ومودتي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير