ـ[الجعافرة]ــــــــ[05 - 12 - 2006, 04:07 ص]ـ
قضايا و اراء
42581 السنة 127 - العدد 2003 يوليو 7 7 من جمادى الأولى 1424 هـ الأثنين
من أسرار القرآن
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
(93) والتين والزيتون. وطور سينين. وهذا البلد الأمين
بقلم الدكتور: زغلول النجار
هذه الايات المباركات جاءت في مطلع سورة التين , وهي سورة مكية , ومن قصار السور في القرآن الكريم إذ يبلغ عدد اياتها ثماني آيات فقط بعد البسملة.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضيتين رئيسيتين: أولاهما هي قضية تكريم الله للإنسان بخلقه في أحسن تقويم , وعلي فطرة مستقيمة مع حقيقة الأخوة الإنسانية التي تنتهي كلها إلي آدم (عليه السلام) , وآدم من تراب كما أخبرنا المصطفي (صلي الله عليه وسلم) , ومستقيمة أيضا مع حقيقة الإيمان بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبالنبوة والرسالة السماوية منهجا في التبليغ عن الله الخالق الباريء المصور (سبحانه وتعالي) ومن ثم الإيمان بأنبياء الله ورسله أجمعين وبما أرسلوا به من دين يحوي الإجابات الشافية عن التساؤلات الكلية التي تشغل بال الإنسان طيلة حياته ـ قلت ثقافته أو زادت , وعلا قدره في المجتمع أو انحط ـ من مثل قضايا العقيدة , والعبادة , والأخلاق , والمعاملات التي تشكل صلب الدين , والتي لا يقوي الإنسان علي وضع أية ضوابط صحيحة لنفسه فيها , إما لكونها من صميم الغيب المطلق كقضايا العقيدة , أو الأوامر الإلهية المطلقة كقضايا العبادة , أو لكونها ضوابط للسلوك كقضايا الأخلاق والمعاملات , والإنسان كان دوما عاجزا عن وضع ضوابط لسلوكه من تصوراته وتقديراته الشخصية , ومن هنا كانت ضرورة الدين لاستقامة حياة الإنسان علي الأرض
, ومن هنا أيضا كان لازما للدين كي يكون دينا صحيحا قادرا علي تربية الإنسان تربية صالحة , وعلي ضبط حركة الحياة ضبطا عادلا أن يكون بيانا ربانيا خالصا لا يداخله أدني قدر من التصورات البشرية , وبذلك يتضح الفرق بين دين صحيح ودين غير صحيح ... !! وتتجلي قيمة الإيمان الكامل في حياة الإنسان , ذلك المخلوق المكرم الذي قال ربنا (تبارك وتعالي) في حقه:
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا *.
(الإسراء:70)
وهذا الإنسان المكرم جعله الخالق (سبحانه وتعالي) مخلوقا ذا إرادة حرة , حتي يؤجر علي كل خير يفعله , ويجازي علي كل خطأ يقترفه , وهيأه الله (سبحانه وتعالي) لذلك تهيئة كاملة بالروح والنفس , والعاطفة والعقل , وبمختلف الحواس , وجعل حرية الاختيار عنده من مناطات التكريم ووسائل التقييم لعمله , فكلما التزم الإنسان بالمنهج الذي وضعه الله (سبحانه وتعالي) له , واستقام عليه وصل إلي درجات من الكمال الإنساني الذي لا يقوي كثير من الخلق علي الوصول إليه. وليس أدل علي ذلك من قول الحق (تبارك وتعالي) في الحديث القدسي:
ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه فأكون سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ولسانه الذي ينطق به , وقلبه الذي يعقل به , فإذا دعاني أجبته , وإذا سألني أعطيته , وإذا استنصرني نصرته , وأحب ما تعبدني عبدي به النصح لي. (رواه الطبراني في الكبير عند أبي أمامة)
ويدل علي ذلك أيضا وقوف جبريل (عليه السلام) عند مقام لم يتجاوزه في رحلة المعراج , وتجاوزه المصطفي (صلي الله عليه وسلم) , لقول جبريل له: تقدم أنت فإني لو تقدمت لاحترقت , ولو تقدمت أنت لاخترقت وهو مقام لم ينله أحد من الخلق من قبل ولا من بعد.
وهذا التكريم الذي أعطاه الله (تعالي) للإنسان كلما ارتقي بملكاته البشرية في معراج الله , يمكن أن ينقلب إلي ضده تماما إذا انتكس الإنسان بفطرته , وانحط باختياره وإرادته عن مقامات ذلك التكريم فهوي بنفسه إلي أسفل سافلين , في الدنيا بشقائه فيها , وفي الآخرة بإلقائه إلي الدرك الأسفل من النار , ولذلك قال ربنا (تبارك وتعالي):
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون *.
(التين:4 ـ 6)
¥