أي: فأي شئ يضطرك أيها الكافر أو المشرك إلي الكفر بالله (تعالي) أو الشرك به (سبحانه وتعالي) بعد ما تبينت لك شواهد قدرته المبدعة في الخلق , والدالة دلالة قاطعة علي قدرته (تعالي) علي البعث بعد الموت , وعلي الحساب والجزاء في الآخرة , وهي من الحقائق التي نزلت بها كل رسالات السماء , وأكدتها الرسالة الخاتمة المحفوظة بحفظ الله , مما يضع كل كافر ومشرك وظالم في هذه الحياة في مصاف المكذبين بالدين , المنكرين لحقيقة أن الله (تعالي) هو أحكم الحاكمين , الذي أتقن كل شئ خلقه , وأحكم قضاء كل أمر بالحق , وبالعدل بين الخلق , والاستفهام في ختام هذه السورة المباركة هو من نوع الاستفهام التقريري لما جاء بعد النفي , ولذلك يروي عن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قوله الشريف: .. فإذا قرأ أحدكم (والتين والزيتون) فأتي آخرها: (أليس الله بأحكم الحاكمين) فليقل: بلي وأنا علي ذلك من الشاهدين.
وروي مالك عن البراء بن عازب قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم يقرأ في سفره في إحدي الركعتين بالتين والزيتون , فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.
وسورة التين هي السورة القرآنية الوحيدة التي سميت باسم ثمرة من ثمار الفاكهة , ومن الثمار النباتية علي الإطلاق , وقد ذكر فيها التين مرة واحدة , وهي المرة الوحيدة التي ذكر فيها التين في القرآن الكريم , بينما جاء ذكر كل من الزيتون وزيته في ست آيات قرآنية أخري , وبذلك يكون التين قد ذكر في القرآن الكريم مرة واحدة , بينما ذكر الزيتون وزيته سبع مرات.
وتبدأ السورة بقسم من الله (تعالي) بكل من التين والزيتون , وربنا (تبارك وتعالي) غني عن القسم لعباده , ولكن المقصود من القسم هو التنبيه إلي الأهمية الغذائية الكبري لهاتين الثمرتين المباركتين وإلي بركة منابتهما الأصلية.
فقد روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قوله: هو تينكم الذي تأكلون , وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت ولكن نظرا للعطف علي هذا القسم بقسم آخر , بمكانين مباركين هما طور سينين , والبلد الأمين في قول ربنا (تبارك وتعالي):
والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين *. (التين:1 ــ 3)
لجأ بعض المفسرين إلي استنتاج الدلالة بالتين والزيتون علي منابتهما الأصلية من الأرض. فطور سينين هو الجبل الذي نودي موسي (عليه السلام) من جانبه في شبه جزيرة سيناء (أو سينا) ومعناها في اللغة المباركة الحسنة , والجبل معروف اليوم باسم جبل موسي (أو جبل المناجاة) , والبلد الأمين هو مكة المكرمة , وحرمها الآمن , وبها الكعبة المشرفة , أول بيت وضع للناس , وعلاقة هذين المكانين المباركين بوحي السماء لاينكرها إلا جاحد للحق.
وعطف القسم بهذين المكانين المباركين علي القسم بكل من التين والزيتون أوحي إلي عدد من المفسرين إلي الاستنتاج بأن القسم بهاتين الثمرتين قد يتضمن من أحد جوانبه الإشارة إلي كرامة منابتهما الأصلية من الأرض , وذلك من مثل كل من بيت المقدس وبجواره طور زيتا , وبه المسجد الأقصي المبارك الذي ندعو الله (تعالي) أن يطهره من دنس اليهود , وأن يحرره ويحرر أرض فلسطين كلها من احتلالهم الجائر البغيض , ويحرر جميع أراضي المسلمين المحتلة والمغصوبة من ربقة المحتلين والغاصبين من الكفار والمشركين , أعداء الله وأعداء الدين (اللهم آمين آمين آمين يارب العالمين).
ومن أشهر منابت كل من التين والزيتون (بأنواعهما المتميزة) بلاد الشام وجنوب شرقي تركيا , والأولي بها طور تينا بجوار دمشق , وهي أرض المحشر , والثانية بها مرسي سفينة نوح (عليه السلام) وبقايا مسجده علي جبل الجودي.
وعلي الجانب الآخر فإن كلا من طور سيناء , وبيت المقدس , ومكة المكرمة قد بعث الله (سبحانه وتعالي) فيه نبيا من أنبيائه ورسولا من أولي العزم من رسله , فبيت المقدس بعث الله (سبحانه و تعالي) فيه عبده ونبيه ورسوله عيسي بن مريم (عليهما السلام) , وطور سينين كلم الله (جلت قدرته) عنده عبده ونبيه ورسوله موسي بن عمران (عليه السلام) , ومكة المكرمة زارها معظم أنبياء الله ورسله , ومدفون بها عدد كبير منهم , ثم بعث الله (تعالي) فيها خاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم).
¥