تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم [المجادلة: 7]، الآية وما يتقدم من الإعداد بعضها على بعض، إنما يتقدم بالطبع كتقدم الحيوان على الإنسان والجسم على الحيوان. ومن هذا الباب تقدم العزيز على الحكيم، لأنه عز فلما عز حكم.

وربما كان هذا من تقدم السبب على المسبب ومثله كثير في القرآن نحو: يحب التوابين ويحب المتطهرين [البقرة: 222]، لأن التوبة سبب الطهارة وكذلك كل أفاك أثيم [الجاثية: 7]، لأن الإفك سبب الإثم وكذلك كل معتد أثيم [المطففين: 12]، وأما تقدم هماز على مشاء بنميم، فبالرتبة لأن المشي مرتب على القعود في المكان. والهماز هو العياب، وذلك لا يفتقر إلى حركة وانتقال من موضعه بخلاف النميمة. وأما تقدم مناع للخير على معتد، فبالرتبة أيضاً، لأن المناع يمنع من نفسه والمعتدي يعتدي على غيره ونفسه قبل غيره. ومن المقدم بالرتبة يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر [الحج: 27] لأن الذي يأتي راجلاً يأتي من المكان القريب، والذي يأتي على الضامر يأتي من المكان البعيد على أنه قد روى عن ابن عباس أنه قال: وددت أني حججت راجلاً لأن الله قدم الرجالة على الركبان، في القرآن فجعله ابن عباس من باب تقدم الفاضل على المفضول، والمعنيان موجودان، وربما قدم الشيء لثلاثة معان وأربعة وخمسة، وربما قدم لمعنى واحد من الخمسة ومما قدم للفضل والشرف فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم [المائدة: 6]، وقوله: النبيين والصديقين ومنه تقديم السميع على البصير وسميع على بصير، ومنه تقديم الجن على الإنس في أكثر المواضع، لأن الجن تشتمل على الملائكة وغيرهم، مما اجتن عن الإبصار قال تعالى: وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً [الصافات: 158] وقال الأعشى:

وسخر من جن الملائك شيعة قياماً لدينه يعملون بلا أجر

وأما قوله تعالى: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [الرحمن: 56]، وقوله: لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [الرحمن: 39]، وقوله: ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً [الجن: 5]، فإن لفظ الجن ههنا، لا يتناول الملائكة بحال لنزاهتهم عن العيوب، وإنهم لا يتوهم عليهم الكذب ولا سائر الذنوب، فلما لم يتناولهم عموم لفظ لهذه القرينة بدأ بلفظ الإنس لفضلهم وكمالهم. وأما تقديم السماء على الأرض فبالرتبة أيضاً، وبالفضل والشرف. وأما تقديم الأرض في قوله: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء [يونس: 61]، فبالرتبة أيضاً، لأنها منتظمة بذكر ما هي أقرب إليه وهم المخاطبون بقوله: ولا تعملون من عمل [سورة يونس: 61] فاقتضى حسن النظم تقديمها مرتبة في الذكر مع المخاطبين الذين هم أهلها بخلاف الآية التي في سبأ، فإنها منتظمة بقوله عالم الغيب. وأما تقديمه المال على الولد في كثير من الآي فلأن الولد بعد وجود المال نعمة ومسرة، وعند الفقر وسوء الحال هم ومضرة، فهذا من باب تقديم السبب على المسبب، لأن المال سبب تمام النعمة بالولد. وأما قوله: حب الشهوات من النساء والبنين. فتقديم النساء على البنين بالسبب، وتقدم الأموال على البنين بالرتبة. ومما تقدم بالرتبة ذكر السمع والعلم، حيث وقع فإنه خبر يتضمن التخويف والتهديد، فبدأ بالسمع لتعلقه بما قرب كالأصوات وهمس الحركات، فإن من سمع حسك وخفي صوتك أقرب إليك في العادة ممن يقال لك: إنه يعلم وإن كان علمه تعالى متعلقاً بما ظهر وبطن وواقعاً على ما قرب وشطن، ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم. وأما تقديم الغفور على الرحيم فهو أولى بالطبع، لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة تطلب قبل الغنيمة. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص: ابعثك وجهاً يسلمك الله فيه ويغنمك وارغب لك رغبة من المال، فهذا من الترتيب البديع بدأ بالسلامة قبل الغنيمة وبالغنيمة قبل الكسب. وأما قوله: وهو الرحيم الغفور في سبأ فالرحمة هناك متقدمة على المغفرة، فأما بالفضل والكمال، وأما بالطبع، لأنها منتظمة بذكر أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان. فالرحمة تشملهم والمغفرة تخصهم والعموم بالطبع قبل الخصوص كقوله: فاكهة ونخل ورمان [الرحمن: 68]، وكقوله: وملائكته ورسله وجبريل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير