تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وميكال [البقرة: 98]، ومما قدم بالفضل قوله: واسجدي واركعي مع الراكعين [آل عمران: 43]، لأن السجود أفضل وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فإن قيل: فالركوع قبله بالطبع والزمان والعادة، لأنه انتقال من علو إلى انخفاض. والعلو بالطبع قبل الانخفاض فهلا قدم الركوع الجواب أن يقال انتبه لمعنى الآية من قوله: اركعي مع الراكعين [آل عمران: 43]، ولم يقل اسجدي مع الساجدين، فإنما عبر بالسجود عن الصلاة وأراد صلاتها في بيتها، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها مع قومها. ثم قال لها: اركعى مع الراكعين أي صلي مع المصلين في بيت المقدس، ولم يرد أيضاً الركوع وحده دون أجزاء الصلاة، ولكنه عبر بالركوع عن الصلاة كما تقول: ركعت ركعتين وأربع ركعات يريد الصلاة لا الركوع بمجرده فصارت الآية متضمنة لصلاتين صلاتها وحدها عبر عنها بالسجود، لأن السجود أفضل حالات العبد. وكذلك صلاة المرأة في بيتها أفضل لها. ثم صلاتها في المسجد عبر عنها بالركوع، لأنه في الفضل دون السجود، وكذلك صلاتها مع المصلين دون صلاتها وحدها في بيتها ومحرابها. وهذا نظم بديع وفقه دقيق وهذه نبذ تشير لك إلى ما وراء أو سدل وأنت صحيح. قالوا: ومما ذكره بهذا الباب قوله: وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود [الحج: 26]، بدأ بالطائفين للرتبة والقرب من البيت المأمور بتطهيره من أجل الطوافين، وجمعهم جمع السلامة، لأن جمع السلامة أدل على لفظ الفعل الذي هو علة تعلق بها حكم التطهير، ولو كان مكان الطائفين الطواف لم يكن في هذا اللفظ من بيان قصد الفعل ما في قوله للطائفين ألا ترى أنك تقول: تطوفون. كما تقول: طائفون، فاللفظان متشابهان فإن قيل: فهلا أتى بلفظ الفعل بعينه فيكون أبين، فيقول: وطهر بيتي للذين يطوفون قيل: إن الحكم يعلل بالفعل لا بذوات الأشخاص، ولفظ الذين ينبىء عن الشخص والذات، ولفظ الطواف يخفي معنى الفعل ولا يبينه فكان لفظ الطائفين أولى بهذا الموطن ثم يليه في الترتيب القائمين، لأنه في معنى العاكفين وهو في معنى قوله: إلا ما دمت عليه قائماً [آل عمران: 75] أي مثابراً ملازماً وهو كالطائفين في تعلق حكم التطهر به، ثم يليه بالرتبة لفظ الراكع، لأن المستقبلين البيت بالركوع لا يختصمون بما قرب منه كالطائفين والعاكفين، ولذلك لم يتعلق حكم التطهير بهذا الفعل الذي هو الركوع وإنه لا يلزم أن يكون في البيت ولا عنده، فلذلك لم يجىء بلفظ جمع السلامة لأنه لا يحتاج فيه إلى بيان لفظ الفعل، كما احتيج فيما قبله ثم وصف الركع بالسجود ولم يعطف بالواو كما عطف ما قبله لأن الركع هم السجود. والشيء لا يعطف بالواو على نفسه ولفائدة أخرى وهو أن السجود أغلب ما يجيء عبارة عن المصدر، والمراد به ههنا الجمع، فلو عطف بالواو لتوهم أنه يريد السجود الذي هو المصدر دون الاسم الذي هو النعت. وفائدة ثالثة أن الراكع إن لم يسجد فليس براكع في حكم الشريعة، فلو عطفت ههنا بالواو لتوهم أن الركوع حكم يجري على حياله. فإن قيل: فلم قال السجود على وزن فعول ولم يقل السجد كالركع، وفي آية أخرى ركعاً سجداً ولم جمع ساجد على السجود ولم يجمع راكع على ركوع، فالجواب إن السجود في الأصل مصدر كالخشوع والخضوع، وهو يتناول السجود الظاهر والباطن. ولو قال: السجد في جمع ساجد لم يتناول إلا المعنى الظاهر، وكذلك الركع ألا تراه يقول: تراهم ركعاً سجداً وهذه رؤية العين وهي لا تتعلق إلا بالظاهر. والمقصود هنا الركوع الظاهر لعطفه على ما قبله مما يراد به قصد البيت والبيت لا يتوجه إليه إلا بالعمل الظاهر. وأما الخشوع والخضوع الذي يتناوله لفظ الركوع دون لفظ الركع، فليس مشروطاً بالتوجه إلى البيت، وأما السجود فمن حيث أنبأ عن المعنى الباطن جعل وصفاً للركع ومتمماً لمعناه، إذ لا يصح الركوع الظاهر إلا بالسجود الباطن ومن حيث تناول لفظه. أيضاً السجود الظاهر الذي يشترط فيه التوجه إلى البيت حسن انتظامه أيضاً مع ما قبله مما هو معطوف على الطائفين الذين ذكرهم بذكر البيت، فمن لحظ هذه المعاني بقلبه وتدبر هذا النظم البديع بلبه ارتفع في معرفة الإعجاز عن التقليد، وأبصر بعين اليقين أنه تنزيل من حكيم حميد تم كلامه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير