تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يمكن ان نستخدم أفعل التفضيل عندما نريد أن نجعل هذا الشيء أفضل من كل ما عداه مهما كان الذي عنده في ذهنك وعندما نقول (الله أكبر) فهو تعالى أكبر من كل ما يخطر في ذهنك والفرزذق كان يقصد أعز وأطول من كل ما سواها. و (أعلم) في آية سورة الاسراء تعني أعلم من كل ما سواه وحينما يكون أعلم معناها في النظم من حيث وصف الله تعالى من حيث صفاته فلو قلنا: (أعلم، عالم، عليم، يعلم) كل الصيغ تعني أنه تعالى علِم دقائق أموره وعظائمها بلا شك لكن من حيث نظم الألفاظ لو خرجنا خارج القرآن يمكن أن نفرّق بين علم وعالم وأعلم (العالم يمكن أن يفوته شيء) أعلم لا يفوته شيء. فلما استعمل في هذا النظم كلمة أعلم معناه كل هذه الدخائل ستكون منكشفة أمام الله تعالى وفقاً لنظم الكلام وهذا يثقل على المؤمن والكافر أن يستخرج الله تعالى كل دخائله فلما كان في المعنى شيء من الثقل على المخاطب استعمل اللفظ الثقيل (النفوس).

وهناك شيء آخر خارج مسألة المعنى وإنما يتعلق بالصوت: الانكشاف واضح في كلمة نفوس ليس فيها ادغام ولا اخفاء وكل حروفها ظاهرة مظهرة (نفوسكم) لكن لو في غير القرآن (أعلم بما في أنفسكم) أنفسكم هنا إخفاء فيها خفاء والخفاء لا ينسجم بأنه أعلم بالدقائق حتى من حيث الصوت.

كثرة ورود كلمة أنفس في القرآن الكريم (153 مرة) يعززالقول بأن كثرة ورود لفظ (أنفس) في القرآن دون كلمة (نفوس) هو لاختيار اللفظ الخفيف وليس الثقيل الذي هو (نفوس). فكلمة (أنفُس) مؤلفة من مقطعين والحركة أو حرف المدّ هو قمة المقطع أو نواته والفتحة خفيفة (أن) خفيفة و (فُس) بالضم ثقيلة أما كلمة (نفوس) فمؤلفة من مقطعين ثقيلين أولهما (نُ) ثقيل لأن حركته ضمة ثقيلة والمقطع الثاني (فُوس) قمته واو مدّية وهي في غاية الثقل لذلك وجدنا أن القرآن الكريم يستخدم الكلمة الخفيفة عندما يكثر تردادها (أنفس: 153 مرة) ويستعمل الكلمة الثقيلة عندما يقل تردادها (نفوس: مرتين)، أي أن استعمالا لخفيف يكون للكثير، والعكس صحيح. وهذه سُنّة من سنن العرب في كلامها وعندما نأتي الى تعليلات الخليل بن أحمد الفراهيدي ونجده يقول: مثلي في هذه التعليلات والتفسيرات كمثل رجل دخل داراً مبنية فقال إن البنّاء وضع النافذة هنا للعِلّة الفلانية ووضع الباب هنا للعلة الفلانية فقد يصيب العِلّة وقد لا يصيبها وهذا الذي نقوله في الألفاظ يندرج في هذا.

وعندما يسألون: العرب ترفع الفاعل وتنصب المفعول به فالضمة علامة الرفع والفتحة علامة النصب يقولون فلماذا اختاروا الضمة للفاعل والفتحة للمفعولات؟ قالوا للتفريق بين الفاعل والمفعول به والعربية فيها تقديم وتأخير نقول مثلاً (أكرم زيداً خالدٌ) فنعرف من الحركة والعلامة أن خالدا هو الفاعل وحدث تقديم وتأخير. ثم قالوا ولِمَ لم يعكسوا وهذا موطن الشاهد عندنا فيتحصّل الفرق؟ قالوا لأن المفعول متعدد فهناك مفعول به ومفعول لأجله ومفعول معه ومفعول فيه) وكلها منصوبة أما الفاعل فواحد لكل فعل فأعطوا الحركة الثقيلة للواحد والخفيفة للمتعدد وكما قال الخليل هذا الذي نراه في اللغة هو شيء مقنع لكن هل فكّر به العرب؟ لا نستطيع أن نجزم بذلك.

لما يقال لشخص مثلاً (أفعِل- ُيفعِل، أكرم-يُكرِم، أخرِج- يُخرِج، أنجد- يُنجِد) وقلنا له: (ابنِ من الخوف على وزن أفعِل يفعل) فالمفروض أن يقول أخوِف يُخوِف لكن العرب قالوا أخاف يُخيف. فتّش العلماء في هذه النماذج فوجدوا أنه اذا التقى حرف العِلّة وهو متحرك وقبله صحيح ساكن قالوا (وهذه فيها وجهة نظر لا أريد أن أدخل فيها هنا) تُنقل الحركة الى الساكن لأنه أولى بالحركة من المعتلّ ويقٌلب المعتل الى مجانس للحركة المنقولة: تُنقل الفتحة من الواو في أخوَف تقلبها ألفاً فتصبح أخاف وفي يُخوِف تقلب الكسرة ياءً فتصبح يُخيف هكذا قال العلماء هذه القاعدة مضطردة في كل اللغة إلا في أماكن قليلة يقولون كأن العربي أبقاها إشارة الى الأصول وهذا شيء فيه دقة. فعلاً لما يلتقي في البناء أي عندما تبني كلمة جديدة كما فعلنا مع كلمة الخوف (أخاف – يخيف) تتمثل هذه الظاهرة. فمسألة أن العربي اختار الضمة للفاعل والفتحة للمفعولات هل كان العربي يعرف ذلك ويفكر فيه؟ لا نستطيع أن نقطع بذلك إذا كان العربي يعرف ذلك أو جاء هكذا ذوقاً ويمكن كما قال كثير من علمائنا أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير