تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العربية إلهام (أي من الله سبحانه وتعالى) وهذا قد لا تجده في لغة أخرى لأن هناك سمات في اللغة العربية لا تجدها في لغات أخرى. لما تأتي الى الفعل الثلاثي في تقليباته التي هي (نظرية الاشتقاق الأكبر عند ابن جنّي) ونستفيد منه كثيراً. نحن كلامنا عن الثقل والخفة والعرب تتجنّب الثقل فاختاروا الحركة الخفيفة للمتعدد والثقيلة لقليل التعداد وقد ذكرنا سابقاً الفرق بين حركتي الفتحة والضمة من حيث النطق. وجود الثقل وتجنب الكلمة الثقيلة دليل على ان العربي له ذوقه - الفاعل مرفوع والضمة ثقيلة والفعل له فاعل واحد ومفعولات متعددة (أكرم محمد علياً إكراماً جيداً يوم الجمعة أمام اخوانه) فالمنصوبات كثيرة والمرفوع واحد- من يقول إن الضمة ثقيلة والفتحة أخف؟ قال العلماء فالفتحة بمجرد انفتاح الفم وارتفاع اللسان ارتفاعا قليلا من وسطه نحو الآخر قليلا، والضمة بانضمام الشفتين وارتفاع أقصى اللسان ففيها حركتان، أما الفتحة فهي مجرد انفتاح الفم. العربي لما استعمل كلمة أنفس ونفوس قطعاً كان يحس بأن هذه أثقل فجاء القرآن فاستعمل له الخفيف في المتعدد والثقيل في غير المتعدد لكن يبقى سؤال لماذا استعمل الحركة الثقيلة في (نفوس) مرتين بدل أن يستعمل أنفس فيصبح عدد استعماله 155 مرة بدل 153 مرة لكلمة أنفس ومرتين لكلمة نفوس؟ ولماذا لم يأت بكلمة أنفس دوماً؟

قلنا إن كلمة نفوس وردت مرتين في القرآن الكريم مرة في قوله تعالى (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)) كلمة أعلم هي صيغة تفضيل لم تستعمل إلا في هذا الموضع مع جمع النفس ولما تستعمل صيغة التفضيل هنا من غير ذكر المفضّل عليه فمعنى ذلك أنها تشمل الدقائق والعظائم والصغائر والكبائر من حيث التركيب وإلا فالله سبحانه تعالى يعلم الصغير والكبير سواء استعمل في القرآن علم، يعلم، عالم، أعلم، علام أو أي صيغة من صيغ العلم لكن (أعلم) من حيث البنية التركيبية معناها أنه أشعر العربي بمعرفة الصغير والكبير، والعربي يفهم هذا قطعاً فإذا قال تعالى يعلم ما في نفوسكم قد لا يعطي معنى علم العظائم والدقائق بالنسبة المقصودة وهي غير (أعلم بما في نفوسكم) ولم يذكر أعلم من ماذا؟ بدون تحديد المفضّل عليه. كل كلمة في القرآن مستخدمة في موضعها والله تعالى استعمل كلمة يعلم، عليم، علام، علِم والعربي يفهم هذا الكلام ويستعمله في لغته من غير أن يدرك على وجه الدقة لماذا يستعمله ويأتي عنده عفو الخاطر (كما ذكرنا سابقاً أن الفرزدق لم يدرس العربية ولكنه كان يتكلم بفطرته). استعمل تعالى (نفوسكم) اللفظ الثقيل بدل (أنفسكم) لأنه يثقل على المرء أن تُعلَم كل دخائل نفسه ولهذا قال تعالى (نفوسكم) ولم يقل (أنفسكم) وهي اللفظة الخفيفة، واختار اللفظة الثقيلة في المعنى الذي يثقل على النفس. الكلمة تُختار كما نلاحظ في قوله تعالى (تلك إذاً قسمة ضيزى) كلمة ضيزى ثقيلة لأن المعنى ثقيل فاختار اللفظة الثقيلة.

فيما يتعلق بالآية الثانية التي وردت فيها كلمة نفوس وهي في سورة التكوير (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)) في هذه الآية ثقل على النفس أيضاً لانه كثير من الناس يتمنوا لو أنهم لم يبعثوا أحياء في يوم القيامة فلما تُزوّج النفوس أي عندما تعود الى أجسادها هذا معناه أن الحساب سيبدأ وسيحاسبون وهذا يثقل على النفس فلآن المعنى فيه ثقل استعمل اللفظ الثقيل (النفوس).

شيء آخر كما قلنا في الآية السابقة الأصل هو المعنى ومع ذلك من حيث اللفظ جاء فيه نوع من الثقل ولو رجعنا الى الآيات في سورة التكوير من بدايتها سنجد أن اختيار كلمة نفوس هنا ينسجم مع لنقُل الايقاع الداخلي للآيات لأن كلام الله تعالى وفق لغة العرب التي فيها جمالية عندما تُبنى الألفاظ ويناسب بعضها بعضاً ولا تتعارض ولا تتشاكس لذلك عندما يأتي لفظ مع لفظ حتى يتم التوافق يحصل ادغام لتظهر الجمالية فعندما نقول (قد تعلمون) فيها ثقل لو لفظنا كل الحروف لكن التاء تسحب الدال اليها ونلفظها بالادغام على الفطرة وكذلك في كلمة أنباء جمع نبأ فيها ادغام على الفطرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير