تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد تصرف أصحاب أبي تمام في التأويل له فقال بعضهم إن أبا تمام أبكاه الملام وهو يبكى على الحقيقة فتلك الدموع هي ماء الملام وهذا الاعتذار فاسد لأن أبا تمام قال: - قد استعذبت ماء بكائي - وإذا كان ماء الملام هو ماء بكائه فكيف يكون مستعفياً منه مستعذباً له.

وقال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: كيف يعاب أبو تمام إذا قال ماء الملام وهم يقولون كلام كثير الماء وقال يونس بن حبيب في تقديم الأخطل.

لأنه أكثرهم ماء شعر ويقولون ماء الصبابة وماء الهوى يريدون الدمع.

وقال ذو الرمة: أأن توهمت من خرقاء منزلة ماء الصبابة من عينيك مسجوم وقال أيضاً: أداراً بحزوى هجت للعين عبرة فماء الهواء يرفض أو يترقرق وقالوا: ماء الشباب.

قال أبو العتاهية: ظبى عليه من الملاحة حلة ماء الشباب يجول في وجناته وهي مكنونة تحير منها في أديم الخدين ماء الشباب فما يكون إذا استعار أبو تمام من هذا كله حرفاً فجاء به في صدر بيته لما قال في آخره - إنني صب قد استعذبت ماء بكائي - قال في أوله: لا تسقني ماء الملام وقد تحمل العرب اللفظ على اللفظ فيما لا يستوى معناه.

قال الله جل وعز " وجزاء سيئة سيئة مثلها " فالسيئة الثانية ليست بسيئة لأنها مجازاة ولكنه لما قال وجزاء سيئة سيئة حمل اللفظ على اللفظ وكذلك: " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين " إنما حمل اللفظ على اللفظ فخرج الانتقام بلفظ الذنب لن الله عز وجل لا يمكر.

وكذلك " فبشرهم بعذاب أليم " لا قال فبشر هؤلاء بالجنة قال: وبشر هؤلاء بالعذاب والبشارة إنما تكون في الخير لا في الشر هذه جملة ما قاله أبو بكر وهي غير لائقة بمثله من أهل العلم بالشعر لأن قولهم كلام كثير الماء وماء الشباب وقول يونس إن الأخطل أكثرهم ماء شعر إنما المراد به الرونق كما يقال ثوب له ماء ويقصد بذلك رونقه ولا يحسن أن يقال ما شربت أعذب من ماء هذا الثوب كما لا يحمل أن يقال ما شربت أعذب من ماء هذه القصيدة لأن هذا القول مخصوص بحقيقة الماء لا بماء هو مستعار له وأبو تمام بقوله: لا تسقني ما الملام ذاهب عن الوجه على كل حال ثم لا يجوز أن يريد هنا بالماء بإنها الرونق عذلاً شبيهاً بالجنون كأنما قرأت به الورهاء شطر كتاب فبهذا وأمثاله ينعت الملام لا بالماء الذي هو الرونق والطلاوة فقد بان فساد هذا الاعتذار من هذا النحو وأما ماء الصبابة وماء الهوى فقد بين أبو بكر أنهم يريدون به الدمع فكيف يقول إنه استعارة والدمع ماء حقيقي بلا خلاف وعلى أي وجه يحمل ماء الملام في الاستعارة على ماء الدمع وهو حقيقة وأما مقابلة اللفظ باللفظ واستشهاده بالآيات المذكورة فقد ذكرنا الكلام عليه فيما تقدم وبينا أن هذا مجاز ولا يقاس عليه ولا يحسن منا المقابلة في موضع يعترضنا فيه فساد في المعنى أو خلفي اللفظ كهذه الاستعارة أو ما يجرى مجراها كما لا يحسن بنا غير ذلك في المجاز إذا أدى إلى اللبس والإشكال.

وقال أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي: ليس قول أبي تمام لا تسقني ماء الملام بعيب عندي لأنه لما أراد أن يقول قد استعذبت ماء بكائي جعل للملام ماء ليقابل ماء بماء وإن لم يكن للملام ماء على الحقيقة فإن الله جل اسمه يقول: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " ومعلوم أن الثانية ليست بسيئة وإنما هي جزاء على السيئة وكذلك " إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم " والفعل الثاني ليس بسخرية ومثل هذا في الشعر والكلام كثير ومستعمل فلما كان في مجرى العادة أن يقول القائل: أغلظت لفلان القول وجرعته منه كأساً مرة أو سقيته منه أمر من العلقم وكان الملام مما وهذا الذي قاله أبو القاسم عن المقابلة قد ذكرناه فلا وجه لاعادة الكلام عليه وأما اعتذاره بأن العادة جارية أن يقال: جرعته من القول كأسا مرة فلما استعمل في الملام التجرع على الاستعارة جعل له ماء على الاستعارة فلعمري أن هذا أقرب ما يعتذر به لأبي تمام في هذا البيت وأولى من جميع ما قد ذكر لما قدمناه من فساد التعلق بذلك لكنا قدمنا أن الاستعارة إذا بنيت على استعارة بعدت وإن اعتبر فيها القرب فماء الملام ليس بقريب وإن لم يعتبر فيها لم ينحصر وبنى على كل استعارة استعارة وأدى ذلك إلى الاستحالة والفساد على ما قدمناه وليس هذا البيت عندي بمحمود ولا من أقبح ما يكون في هذا الباب بعد قول أبي تمام: لها بين أبواب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير