وقوله: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ):
أفعال تسلط عليها النهي فأفاد عمومه، كما تقدم آنفا، وشمل الخطاب كلا الجنسين بدلالة: "واو الضمير" المتصلة بها، فهي على الراجح عامة المعنى وإن اختصت صيغتها بجماعة الذكور.
وقوله: (أَنفُسَكُمْ): تعظيم لحق إخوانهم عليهم، فلم يقل: ولا تلمزوا غيركم، فكأن الشاتم لأخيه شاتم لنفسه، لأنه يقع في عرض فرد من أفراد الجماعة المسلمة التي ينتمي إليها، فيعود الذم عليه انتهاء، ونظيره قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
يقول أبو السعود رحمه الله:
" {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} أي مَنْ كان من جنسكم من المؤمنين فإن كلَّهم كنفس واحدةٍ، وعن الحسن: لا تقتُلوا إخوانَكم، والتعبيرُ عنهم بالأنفس للمبالغة في الزجر عن قتلهم بتصويره بصورة ما لا يكاد يفعلُه عاقلٌ". اهـ
وقوله تعالى: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ):
ذم للفسوق بعد الإيمان، والأولى من جهة المعنى: إعراب "الفسوق": خبرا لمبتدا محذوف بتقدير: هو الفسوق، أو مبتدأ وخبره محذوف بتقدير: الفسوق المذموم، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فالضمير يؤكد اختصاص الفسوق بالذم، وكذا الإخبار عنه بما يشعر بقبحه.
وقوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ):
تهديد في صيغة شرط، ونداؤهم بـ: "أولئك": إبعاد لمن ارتكب هذه المعصية وبيان لدنو منزلته، بخلاف "أولئك" في نحو قوله تعالى: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فهي بيان لعلو المنزلة وعظم الشأن، مع أن اسم الإشارة واحد، ولكن السياق هو الذي حدد المعنى المراد.
وضمير الفصل يدل على توكيد الحكم، فضلا عن:
تعريف الجزأين: المبتدأ: "أولئك"، و: الخبر: "الظالمون".
ومجيئه في سياق جملة اسمية: "أولئك هم الظالمون"، والجملة الاسمية تدل على ثبوت الحكم واستمراره.
ويحتمل أن يقال بأن قوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ): تذييل على ما سبق، لأن المعنى اكتمل بقوله تعالى: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)، فجيء بما بعده زيادة في البيان.
هذه ملاحظات قد يستفاد من القواعد المذكورة فيها، بغض النظر عن الأمثلة، في تحليل بقية الآيات.
ويكنك الاستعانة بتفسيري: الزمخشري وأبي السعود، رحمهما الله، مع الحذر من اعتزاليات الأول وكلاميات الثاني، وكذا تفسير الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، فهو، وإن كان عمدة في: "التفسير الأصولي" إلا أن فيه من النكات البلاغية الكثير، فالرحم بين: "الأصول" و "علوم العربية" لاسيما البلاغة: رحم ماسة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أحلام]ــــــــ[21 - 04 - 2008, 03:26 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- من المراجع الجيدة التفسير الكبير للفخر الرازي رحمه الله
- وايضا دروس الشيخ الشعراوي رحمه الله
مع تمتناتنا لكم بالتوفيق