مسخرة لهذا الغرض لذا جاءت خطبهم في معظمها مليئة بدواعي الثأر مشحونة بروح العصبية فيما توارت بقية أنواع الخطب أمام هذا المد الجارف. وعندما أشرقت شمس الإسلام كان للقرآن والسنة النبوية أثر كبير في التحول الذي طرا على الخطابة واستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في نشر تعاليم الدين الحنيف فكلما نزلعليه وحي أو أراد أن يوجه الصحابة إلى أمر من الأمور إعتلى المنبر وخطب فيهم خطبة وكانت خطبه صلى الله عليه وسلم في مجملها تركز على الدعوة إلى التمسك بتعاليم الين الإسلامي وقيمه النبيلة ومثله العليا و كانت
خطبآ جامعة تحوي من الألفاظ أدقها ومن المعاني أسماها وأوضحها ومن الأغراض أجلها وأشرفها.
وكذلك الحال بالنسبة للخطابة في عصر صدر الإسلام حيث أنها تتميز من الناحية الفنية بالدقة في إختيار الألفاظ وجودة المعاني والزهد في السجع.
إلا أن التحول الكبير الذي طرأ على الخطب في العصر الأموي كان ملفتآ وذلك نيجة لظهور الأحزاب السياسية والدينية والذي لم يزد الخطابة إلا قوة على قوتها من ناحية الإسلوب إلا أنها حادت عن المسار الذي اختطته لنفسها منذ ظهور الإسلام وأصبحت مضامينها في خدمة تلك الإنتماءات السياسية والمذهبية
====================================================
(12)
ولعل ابرز السمات تتجلى في الاستهلال دائمآ بالحمدلله والصلاة على رسوله ولذا سميت خطبة زياد عندما ولي البصرة في عهد معاوية بن أبي سفيان بالبتراء قال الجاحظ بعد أن ذكر خبر توليه (قالا: فخطب خطبة بتراء لم يحمدالله فيها ولم يصل على النبي) (1) واشتهرت بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - البيان والتبيين للجاحظ تحقيق عبدالسلام هارون2/ 62 الطبعة الثانية – مكتبة الخانجي
==========================================================
(13)
الثاني:- في الشعر
أحدث الإسلام تحولآ كبيرآ في مسيرة الشعر العربي كما أشرنا إلى ذلك في التمهيد ولم يأت ذلك التحول فجأة بل جاء بعد إرهاصات بدت في تلك الإشارات الواضحة في الآيات القرانية وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم التي أوردنا بعضآ منها والتي تدعو إلى الإنتقاء في هذا الشعر وعدم السير على نهج السابقين الذين وصفتهم الآية بأنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالايفعلون ويظهر أثر ذلك بجلاء على الشعراء الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام وعرفوا بالمخضرمين وعلى رأسهم شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت – رضي الله عنه – فبعد أن من الله عليه بالإسلام سخر شعره لخدمة الدعوة الإسلامية والذب عن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم حيث بدا واضحآ تأثر شعره بتعاليم الدين الحنيف في مضمونه ومال شعره إلى السهولة والبعد عن التكلف الذي كان عليه سابقآ ويمكن الحديث عن أثر القرآن والسنة على صياغة الشعر وإسلوبه من خلال الجوانب الآتية: -
1 - استخدم الشعراء شعرهم وسيلة فعالة في الدعوة إلى الإسلام والتمسك بتعاليمه السمحة والإلتزام بالقيم والمثل العليا ومن ذلك قول صرفة بن أنس (1):-
فأوصيكم بالله والبر والتقى
وأعراضكم والبر بالله أول
وإن قومكم سادوا فلاتحسدونهم
وإن كنتم أهل الرياسة فاعدلوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) – السيرة النبوية لابن هشام تحقيق إبراهيم الإبياري1/ 510 الطبعة الثانية 1375هـ - مطبعة الحلبي
========================================================
(14)
2 - توارت الكثير من الأغراض التي كانت لها الصدارة في الجاهلية كوصف الخمر والغزل الفاحش والهجاء المقذع إلا مااقتضته الحاجة مماقيل في هجاء المشركين والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام والذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم لذا نجده يقول لحسان رضي الله عنه (ياحسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيده بروح القدس) (1)
وفي مقابل ذلك نجده صلى الله عليه وسلم يقول (لإن يمتلىء جوف أحدكم قيحآ فيريه خير من أن يمتلىء شعرآ) (2)
ويأتي قوله المروي والذي تنجلي به صورة موقفه صلى الله عليه وسلم فيماروي عنه أنه قال (إنما الشعركلام مؤلف فما وافق الحق منه فهو حسن) وقوله (إنما الشعر كلام فمن الكلام خبيث وطيب) (3)
وبعد ذلك نجد عمر بن الخطاب يشدد العقوبة على الحطيئة لهجائه للزبرقان بن بدر بقوله (4): -
¥